إنَّما تَنْقدح في ذهنه صورةُ التشابه بين مَعْنَى فعلٍ ومَعْنَى فعلٍ آخر، أو بين معنى اسم مشتقٍّ ومعنى اسم مشتق آخر، أو بين معنىً يُدَلُّ عليه بحرف ومعنىً يُدَلُّ عليه بحرف آخر، فَيَسْتَعِيرُ الفعل أو الاسم المشتَقَّ أو الحرفَ، ولا تَخْطُر بباله سلسلة الإِجراءات التحليليّة التي ذكرها البيانيون.
فما الداعي لاعتبار الاستعارة في الأفعال، والاستعارة في الأسماء المشتقَّةِ، والاستعارة في الحروف إنْ وُجدت، استعارة تبعيّة، مع إمكان أن نقول فيها جميعاً:
استعارَ المتكلّم الفعلَ للدلالة به على معنى فِعْلٍ آخر، بجامع التشابه بين الفعلَيْنِ في حَدَثهما وفي زمانِهما، وكذلك يقال في استعارة الأسماء المشتقة، واستعارة الحروف إن وُجدت؟!.
وعلى هذا نقول في مثال قَوْلِ المتشكّي من نوائب الدهر:"عَضَّنَا الدَّهْرُ بنابِهِ".
إنّ ما تُحْدِثه النَّوائب من أعمال مُؤْلِمَةٍ قد يُعَبَّرُ عَنْها بفِعْلٍ أو أفعال مختلفة، مثل:"أتْلَفَتِ النوائبُ بَعْضَ زرعه - وأهلَكَتْ بعض ماشيته - ومسَّتْ بعض أهله وحاجاته بسُوءٍ - فتألم لذلك" يُمْكن أن يُسْتَعْمِلَ بَدَلَها فعل: "عَضَّ" على سبيل الاستعارة، إذْ تُشَبَّهُ هذه الأفعال الدّالّة على الحدث والزّمن، بفعل "عضّ" بجامع الحَدثِ المؤلم المقرون بِزَمَنٍ في كلٍّ من المشبَّهِ والمشبَّه به.
ويُسْتَعَارُ هذا الفعل "عَضَّ" للدّلالة به على ما أحدثَتْهُ أفعال النوائب في أزمانها الماضية.
وتطبيق هذا التحليل على المشتقّاتِ من الأسماء المستعارة لغير معانيها الأصليّة أيْسَرُ وأوضَحُ.