(٢) زُرْنا نقتبس عِلْمَ ذي فضْلٍ يأتي اللّيلُ إذا غاب، ويذهب اللّيلُ إذا حضر.
أي نقتبس عِلْماً من الشَمْس، فالشمس من لوازم غيابها مجيءُ اللّيل، ومن لوازم حضورها ذهابُ اللّيل.
فلفظ الشمس مستعارٌ من الكوكب المضيء للدّلالة به على الإِنسان الممدوح، والأصل في هذا تَشْبِيهُهُ بالشمس، لكن حُذِف اللّفظ المستعارُ ورُمِزَ إليه ببعض لوازمه كنايةً عنه.
وأصل هذا المجاز تَشْبِيهٌ حذفت كلّ أركانه باستثناء بعض لوازم المشبَّه به، فهو استعارة مكنيَّة.
وقد تلْتَبِسُ هذِه الاستعارة المكنيّة بالتشبيه المكنّي الّذي سبَقَ أنْ فَرَزْتُه بقِسْمٍ خاصٍّ عن التَّشْبيه البليغ، وذكرتُ طائفةً من أمثلته.
والفرقُ بينهما أنّ التشبيه المكنيّ يأتي فيه المشبَّهُ ضمن العبارة بلفظه الصريح، أو بما يُكنَّى به عنه، من جهة، ويأتي فيه المشبّه به بلفظ الصريح أو بما يُكنَّى به عنه، من جهة ثانية، على وجه يُنْبِئ عن التشبيه.
بخلاف الاستعارة إذْ لا يَجْتَمعُ فيها المشبَّه بلفظه الصريح أو بما يُكنَّى به عنه، مع المشبَّه به بلفظه الصريح أو بما يُكنَّى به عنه، على وجه يُنْبِئ عن التشبيه، وبهذا يصير الكلام مجازاً بالاستعارة، وإلاَّ فلا مجاز والكلام جارٍ وفق أسلوب التشبيه الْمُضْمَر الذي يُوجَدُ في العبارة ما يدلُّ عليه، ومعلوم أنّ عبارات التشبيه هي من الحقيقة ولا مِنَ المجاز.
وبسبب هذا الالْتِبَاس تختلط الأمثلة على كثير من الباحثين والكاتبين في علم البيان، فيجعلون ما هو من التشبيه المضمر الذي هو تشبيه مكنّي ضمن أمثلة الاستعارة المكنيّة، مع أنّ المشبَّه فيها مذكورٌ بلفظه الصريح أو بما يُكْنَّى به عنه، وقاعدة البيانيين أن لا يجتمعا اجتماعاً يُنْبئُ عن التشبيه.