* والتورية المبيَّنة: هي التي اقترنت بما يلائم المعنى البعيد المقصود باللّفظ.
أقول: ولا يحسُنُ بلاغيّاً استخدام التورية إلاَّ إذا دعا داعٍ بلاغي يقتضيه حال المتلقّي، وهذا الداعي ممّا يُقْصدُ لدى أذكياء البلغاء، كإخفاء المراد عن العامة وإشعار الخاصة من طرفٍ خفي، وكالتعبير عن المقصود بكلام يتأتَّى معه الإِنكار عند الحاجة إليه، وكاختبار ذكاء المتلقّي والتأثير في نفسه بما يُعْجِبُه من أداءٍ فنّيّ يستخدم فيه الأسلوب غير المباشر حتى الإِلغاز، إلى غير ذلك من دواعي.
فليس كلّ كلمة لها معنًى قريب ولها معنًى بعيد على وجه الحقيقة أو المجاز يحْسُنُ استخدامها، وقَصْدُ المعنى البعيد بها، على سبيل التورية، دون مراعاة أو ملاحظة داعٍ بلاغي يُقْصَد لدى البلغاء الفطناء.
أمثلة:
المثال الأول: قول الله عزَّ وجلَّ في حكاية قول بعض أولاد يعقوب عليه السلام له، حين أخذ يُحِسُّ بريح يوسف عليه السلام، ولم يكن قد وصل البشير إليه يحمل قميصه من مصر، ولم يكن قد علم بما حصل لباقي بنيه في مصر الذين ذهبوا ليطلبوا الإِفراج عن بنيامين شقيق يوسف، فقال الله تعالى في سورة (يوسف/ ١٢ مصحف/ ٥٣ نزول) :