ادّعى المتنبي أنّ السّحاب قد أمطرت بسبب ما أصابها من الْحُمَّى التي نزلت بها إذْ حَسَدَت جود ممدوحه. ونفى تعليلاً آخر كان يُمْكِن أن يُعَلِّلَ به، وهو أيضاً تَعْليلٌ ادِّعائي لا حقيقة له، وهو أنَّها أرادت أن تُحَاكِي وتُقَلِّد ممدوحه في الجود.
عَطَلَ الكريم مِنَ الغِنَى: أي: خُلوّ الكريم من الغنى، يقال: عَطِلَ يَعْطَلُ عَطَلاً، إذَا خلا.
فعَلَّلَ فَقْرَ الكريم بعلَّةٍ ادَّعاها زُخْرُفيّاً في الكلام دون مستنَدٍ من الحقيقة. هو أنَّ ذا المكانة الرفيعة لا يكون غنيّاً، قياساً على أنَّ السَّيل لاَ يَصِلُ إلى المكان العالي، وعبَّر عن ذلك بأنَّه حَرْبٌ له.
المثال الثالث: قول المتنبي من قصيدة يمدح بها بَدْرَ بن عمّار:
أي: ما به رغبةٌ في قتل أعاديه حقداً عليهم وتخلُّصاً مِنْهُم، لكنَّه رجُلٌ جواد اتَّسع جودُه حتَّى صارت الوحوش ترجو عطاءه، فالذئابُ ترجو أنْ يَقْتُلَ لها الناسَ لتَنْعَم بلحوم الْقَتْلَى.
لقد بالَغَ، فتخيَّلَ، فادَّعَى هذِه الدَّعْوى الزُّخْرُفيّة الباطلة، لَكنَّهَا تشتَمِلُ عَلَى فكرةٍ جميلةٍ لا يلتقطها إلاَّ ذو فطنة.