لقد صوَّر أن سبب طُول ليلهِ وبقاء ظلمته أنَّ أرقَهُ فيه يَجْذِبُ هذه الظلمة فيُبْقِى بها اللّيل، فلا تغيب ظلمة اللّيْل حتّى يغيب أَرَقُه ويأتيه النوم.
وذكر في البيت الثاني أنَّهُ يُقَلِّبُ في دُجَى اللَّيْل أَجْفَانَهُ كأنَّهُ يَعُدُّ على الدَّهّر ذُنُوبَهُ ذاتَ الْعَدَدِ الكثير الذي لا يُحْصَى، وقد ترك ما يقول الأَرِقُون من أنّهم يَبِيتُون يَعُدُّون نجومَ السّماء، وشبَّهَ نَفْسَه بمَنْ يَعُدُّ ذنوبَ الدهر التي لا تُحْصَى، لأنَّه أراد أن يُدمِجَ شَكْوَاهُ مِنْ نوائب الدهر.
المثال الثاني: قول ابن المعتزّ في وصف نبات أصْفَر يسمَّى "الْخَيْرِي": "فَقَدْ نَفَضَ الْعَاشِقُونَ مَا صَنَعَ الْهَجرُ بألْوانِهِمْ عَلَى وَرَقِهِ" أي: نفضوا صُفرة وجوههم التي صنعها الهجر على ورق هذا النبات، لقد كان يكفيه أن يَصِفه بالصفرة، ولكنّه ساق هذا المعنى ليدمج ما يعانيه من هجر الحبيب.
ضمَّن الغَزَلَ الّذي قد يجرُّه إلى ارتكاب جَهْلَةٍ ما في وصَالِ مَحْبُوبه، والخروج بها عَنْ حِلْمِهِ الذي هو وصفُهُ الدائم، الْفَخْرَ بأنَّه حَلِيمٌ لا يَجْهلُ في العادة، والشكوَى من فقد الخلِّ الوفيّ الّذي إذا أَوْدَعَ الحلْمَ عنده ساعة جَهْلِه استرَدَّه منه بعدها، فعادَ إلى سوائه المعتاد، وحِلْمِهِ ورُشْدِهِ.