للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك سالك طريق الآخرة الشيطان له عدو مبين، ولم يزل بالمرصد، ليحتال كيف يصطاد، وعنده فنون، وأنواع من الحبائل ينصبها في الغدوات، والأصائل.

فعلى السالك -بعد تيقظه، وإرادة سلوك سبيل الآخرة- أخذ العدة لقهر ذلك العدو اللعين الذي لا يفارق المرصد، والكمين، وليس النجاة منه إلا بالتمسك بعروة الشريعة الغراء، فإنها المحجة (١) البيضاء لم ينكب قط سالكها، ولا انتهب يومًا سابلها.

فإذا وقع للسالك شبهة في سلوكه يحاذي بها تلك المحجة، فإن اتصلت بها، فهي من شعبها، وفروعها، فيجزم بسلامة السالك، ونجاته من المهالك، وإن لم تدخل في تلك الفروع فليجانبها، فإنها عين الضلالة وأحبولة من حبائل الشيطان. ثم كما يفسد متاع التاجر بالغفلة عنه، وعدم الكشف عن حاله هل وصل إليه آثار الشمس، أو الماء، أو سائر آفات الأقمشة، ربما وصل إلى المقصد، وهو في غاية النشاط، والسرور


(١) المحجة -بالفتح-: جادة الطريق، مفعلة من الحج، وهو القصد، والميم زائدة، وجمعها المحاج بتشديد الجيم، ومنه قول علي رضي اللَّه عنه: "ظهرت معالم الجور، وتركت محاج السنن".
والبيضاء: الواضحة التي لا لبس فيها، ولا خفاء، ومنه حديث أبي الدرداء.
قال: خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونحن نذكر الفقر، ونتخوفه، فقال: "آلفقر تخافون، والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبًا حتى لا يُزيغ قلبَ أحدكم إزاغة إلَّا هِيَه، وايم اللَّه لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها، ونهارها سواء".
راجع: النهاية لابن الأثير: ١/ ١٧٢ - ١٧٣، ٤/ ٣٠١، والمصباح المنير: ١/ ٦٨ - ٦٩، ١٢١، وسنن ابن ماجه: ١/ ٥ - ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>