للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان السالك ممن لا يرى تعسر أسباب الرزق شاقًا عليه، ولا يمنعه ذلك من القيام بطاعته على الوجه الأبلغ، فالتجرد للعبادة أفضل، وإن كان يرى ذلك شاغلًا لسره بحيث يكون جسده في العبادة، ونفسه سائرة في الآفاق، وملتفتة إلى اللذات جامحة، فالأفضل في حقه تعاطي الأسباب، وبه يجمع بين الأحاديث الواردة في باب التوكل، والحث على طلب الحلال.

وفي صحيح البخاري: "أن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده" (١) والتوكل لا يضاد الكسب، فإن الكاسب -أيضًا- متوكل على اللَّه في حصول المطلوب غايته: أنه يباشر المقدمات.


= وفيه: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب قالوا: ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون. ." إلخ رواه مسلم: ١/ ١٣٦ - ١٣٧، وغيره ولأنه ينشأ عن مجاهدة النفس، والأجر على قدر المشقة، ولما فيه من ترك ما يشغل عن اللَّه تعالى، والوثوق بما عنده، مع حيازة مقام السلامة من فتنة المال، والمحاسبة عليه، وذهب آخرون إلى التفصيل، وأن ذلك يختلف من شخص لآخر مستدلين بالحديث السابق فيمن يدخلون الجنة بغير حساب، وهذا ما اختاره المصنف وغيره من شراح كلامه، وغيرهم، وخالفه الشارح كما سيأتي.
راجع: الإحياء للغزالي: ٤/ ٢٤٣ وما بعدها، وكتاب الأربعين له: ص/ ١٨٠، وتشنيف المسامع: ق (١٩٥/ أ)، والغيث الهامع: ق (١٨٢/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: ٢/ ٤٣٦، وهمع الهوامع: ص/ ٤٨٥ - ٤٨٦، وشرح الجوهرة: ص/ ١٩٢.
(١) عن المقدام رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده".
وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن داود عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده". راجع: صحيح البخاري: ٣/ ٧٠ - ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>