وإذا ثبت تحمل الجامد ضميرا، ورفعه ظاهرا لتأوله بمشتق، لم يرتب في أن المشتق أحق بذلك، وقد حكم الكسائي وحده بذلك للجامد المحض، كقولك: هذا زيد، وزيد أنت. وهذا القول وإن كان مشهورا انتسابه إلى الكسائي دون تقييد، فعندي استبعاد في إطلاقه، إذ هو مجرد عن دليل، ومقتحم بقائله أوعر سبيل. والأشبه أن يكون الكسائي قد حكم بذلك في جامد عرف لمسماه معنى لازم لا انفكاك عنه، ولا مندوحة منه، كالإقدام والقوة للأسد، والحرارة والحمرة للنار، فإن ثبت هذا المذكور فقد هان المحذور، وأمكن أن يقال معذور. وإلا فضعف رأيه في ذلك بين، واجتنابه متعين.
وأما الخبر المشتق إذا لم يرتفع به ظاهر لا لفظا نحو: زيد قائم غلامُه، ولا محلا نحو: عمرو مرغوب فيه، فلا بد من رفعه ضميرا، فإن جرى رافعه على صاحب معناه استكن الضمير دون خلاف، فإن برز فالبارز مؤكد للمستكن. وإن جرى رافعه على غير صاحب معناه لزم إبرازه عند البصريين، والكوفيين عند خوف اللبس، كقولك: زيد عمرو ضاربه هو، والزيدان العمران ضاربهما هما، "فهو" فاعل مسند إليه ضاربه وهو عائد على زيد، والهاء عائدة على عمرو، و"هما" فاعل مسند إلى ضاربهما، وهو عائد على الزيدان، والمضاف إليه عائد على العمران، وأفرد "ضارب" المسند إليه المثنى، لأنه واقع موقع فعل مجرد مسند إلى فاعل بارز، فالإبراز في مثل هذا مجمع عليه، لكون المعنى ملتبسا بدونه، فلو كان المراد صدور الضرب من المبتدأ الثاني ووقوعه على الأول لاستكن الضمير بإجماع، لعدم الحاجة إلى إبرازه. ومثال الإبراز المجمع عليه قول الشاعر:
لكلِّ إلفَيْن بَيْنٌ بعد وصلهما ... والفرقدان حِجاه مقتفيه هما
والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللبس عند جريان رافع الضمير على غير صاحب معناه، ليجرى الباب على سنن واحد. وخالفهم الكوفيون فلم يلتزموا الإبراز عند