الوجه الرابع من محتملات كلام سيبويه: أن ينتصب الظرف المذكور بمستقر أواستقر أو شبههما، وكلام سيبويه قابل لاستنباط ذلك منه، لأنه قال قاصدا للظروف الواقعة بعد المبتدأ: وعمل فيها ما قبلها، كما أن العِلْمَ إذا قلت: أنت الرجل علما، عمل فيه ما قبله. فما قبلها يحتمل أن يريد به الذي قبلها في اللفظ وهو المبتدأ، ويحتمل أن يريد به الذي قبلها في التقدير وهو مستقر أو استقر أو شبههما، إلا أن الاحتمال الأول يفضي إلى المحذورات المتقدم ذكرها، والاحتمال الثاني لا يفضي إليها، فكان أولى بمراده، ويؤيد أولويته في إرادته أنه شبه ناصب الظرف بما نصب التمييز في قوله: خير عملا، وناصب التمييز خبر لا مبتدأ، فينبغي أن يكون ناصب الظرف خبرا لا مبتدأ، فإن ذلك أليق بالنظير، وأوفق في التقدير. وكذا قوله:"فهذا كله انتصب على ما هو فيه وهو غيره" يحتمل أن يريد بما هو فيه المبتدأ، ويحتمل أن يريد به ما حذف من مستقر ونحوه وهو الأولى، لما ذكرت من أن تقديره لا يفضي إلى المحذورات السالفة، ويؤيد ذلك أيضا قوله:"وهو غيره" أي ما هو في الظرف غير المبتدأ، واحتاج إلى هذه العبارة لينبه على أن بين الظرف والمبتدأ مقدرا، وهو خبر للمبتدأ، وعامل في الظرف، وأنه غير للمبتدأ، ولا يصح أن يعاد هو إلى المبتدأ، والهاء من غيره إلى الظرف، لأن الإعلام بذلك إعلام بما لا يجهل، بخلاف الإعلام بأن ثم مقدرا هو غير المبتدأ وعامل في الظرف، فإن الحاجة داعية إليه. ويتأيد ذلك أيضا بقوله:"وصار بمنزلة المنون الذي عمل فيما بعده، نحو العشرين، ونحو خير منك عملا" فإن في "صار" ضميرا عائدا على ما هو فيه وهو غيره، وقد ثبت أنه ما يقدر من مستقر ونحوه، وجعل نسبة هذا المقدر من الظرف كنسبة خير من عملا، وفيه أيضا إشعار بأنه لا يريد بما المبتدأ بل الخبر المقدر، لأن خيرا من قوله:"خير عملا" خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنت أو هو خير عملا، وجعل ما هو خبر نظيرا لخبر، أولى من جعله نظيرا لمبتدأ. ثم قال:"فصار زيد خلفك بمنزلة ذلك" أي صار زيد قبل خلفك بمنزلة مستقر، لأنه يدل عليه، ويجعله في الذهن مشارا إليه، ثم قال: والعامل في خلف الذي هو في موضعه"