للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فظاهر هذا القول شبيه بما حكاه ابن كيسان من قول الكوفيين: إن الظرف منصوب بالمخالفة، لأنك إذا قلت: زيد أخوك، فالأخ هو زيد. وإذا قلت: زيد خلفك، فالخلف ليس بزيد، فمخالفته له عملت فيه النصب، وقد تقدم إبطال هذا القول.

فسيبويه بريء ممن عوّل عليه، وجنح إليه، لأنه قال حين مثل بظروف بعد مبتدآت: "وعمل فيها ما قبلها" وهذه عبارة لا تصلح أن يراد بها إلا شيء متقدم على الظرف، والمخالفة بخلاف ذلك. فتيقن أن مراده غير مراد الكوفيين.

الوجه الثالث: ما ذهب إليه ابن خروف من أن عامل النصب في الظرف المذكور المبتدأ نفسه، واحتماله أظهر من الوجهين المتقدمين، وهو أيضا مخالف لمراد سيبويه. وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى، ولو قصد ذلك سيبيوه نصا لم يُعَوَّل عليهن لأنه يبطل من سبعة أوجه: أحدها أنه قول مخالف لما اشتهر عن البصريين والكوفيين، مع عدم دليل، فوجب اطراحه.

الثاني: أن قائله يوافقنا على أن المبتدأ عامل رفع، ويخالفنا بادعاء كونه عامل نصب، وما اتفق عليه إذا أمكن أولى مما اختلف فيه، ولا ريب في إمكان تقدير خبر مرفوع ناصب للظرف، فلا عدول عنه.

الثالث من مبطلات قول ابن خروف: أنه يستلزم تركيب كلام تام من لفظين: ناصب ومنصوب، لا ثالث لهما، ولا نظير له، فوجب اطراحه.

الرابع: أنه قول يستلزم ارتباط متباينين دون رابط، ولا نظير لذلك، ومن ثمّ لم يكن كلاما نحو: زيد قام عمرو، حتى يقال: إليه، أو نحوه.

الخامس: أن نسبة الخبر من المبتدأ كنسبة الفاعل من الفعل، والواقع موقع الفاعل من المنصوبات لا يغني عن تقدير الفاعل، فكذا الواقع موقع الخبر من المنصوبات لا يغني عن تقدير الخبر.

السادس: أن الظرف الواقع موقع الخبر من نحو: زيد خلفك، نظير المصدر من نحو: ما أنت إلا سيرا، في أنه منصوب مغن عن مرفوع، والمصدر منصوب بغير المبتدأ، فوجب أن يكون الظرف كذلك، إلحاقا للنظير بالنظير.

السابع: أن عامل النصب في غير الظرف المذكور بإجماع من ابن خروف ومنا لا يكون إلا فعلا أو شبيهه، أو شبيه شبيهه، والمبتدأ لا يشترط فيه ذلك، فلا يصح

<<  <  ج: ص:  >  >>