للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستشهاد بهذا أولى من الاستشهاد بقوله تعالى: (وكان حقا علينا نصرُ المؤمنين) لأن بعض القراء أجاز الوقف على "حقا" ناويا في كان ضميرا. وأمثلة التوسيط مع غير كان من أخواتها سهلة، فاستغنى عن ذكرها، والتوسيط أيضا جائز مع ليس ودام، وإن كانا لا يتصرفان، لأن الأقل محمول على الأكثر، ومثال ذلك مع ليس قول الشاعر:

سَلِي إن جَهلتِ الناسَ عنا وعنهم ... فليس سواءً عالمٌ وجهولُ

ومثال ذلك مع دام قول الآخر:

لا طيبَ للعَيْشِ ما دامت مُنَغّصَةً ... لذّاتُه بادّكار الموتِ والهَرَم

وإنما اختصت ليس ودام بالاستشهاد على توسيط خبرهما لأنهما ضعيفتان لعدم تصرفهما في أنفسهما، فربما اعتقد عدم تصرفهما في العمل مطلقا. وقد وقع في ذلك ابن معط رحمه الله فضمن ألفيته منع توسيط خبر ليس وما دام، وليس له في ذلك متبوع، بل هو مخالف للمقيس والمسموع، وأما مخالفته للمقيس فبيِّنة، لأن توسيط خبر ليس جائز بإجماع، مع أن فيها ما في دام من عدم التصرف، وتفوقها ضعفا بأن منع تصرفها لازم، ومنع تصرف دام عارض، ولأن ليس تشبه "ما" النافية معنى، وتشبه ليت لفظا، لأن وسطها ياء ساكنة سالمة، ومثل ذلك مفقود في الأفعال، فثبت بهذا زيادة ضعف ليس على ضعف دام، وتوسيط خبر ليس لم يمتنع، فأن لا يمتنع توسيط خبر دام لنقصان ضعفها أحق وأولى.

ونبهت بقولي: "ما لم يمنع مانع" على أن توسيط الخبر قد يمتنع، وذلك إما لسبب يقتضي وجوب تقدمه نحو: كم كان مالك؟ وأين كنت؟ وإما لسبب يقتضي وجوب تأخيره نحو: كان فتاك مولاك، وما كان زيد إلا في الدار.

<<  <  ج: ص:  >  >>