للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحاصل أنه لو ساغ أنْ يقاس على يومَ يومَ لم يَسغ أن يقاس على بين بين. وأما ما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه من قول إبراهيم عليه السلام "إنما كنتُ خليلاث منْ وراءُ وراءُ" فقد روي بالضم، على أن يكون مبنيا على الضم، لقطعه عن الإضافة وجعل الثاني تأكيدا للأول. والجيد أن يقال من وراء وراءٍ بإضافة الأول إلى الثاني، فإن هذا حكم ما خرج عن الظرفية مما ركب من الظرف تركيب خمسة عشر. وعلى هذا أنشد سيبويه:

ولولا يومُ يومٍ ما أرَدْنا ... جزاءكَ والقروضُ لها جزاءُ

وأنشد أيضا:

ما بال جهْلكَ بعدَ الحِلم والدِّين ... وقد علاكَ مَشيبٌ حينَ لا حينِ

أنشده وقال: إنما هو حينَ حينٍ و"لا" بمنزلة "ما" إذا ألغيتْ. ولشبه الحال بالظرف أشرك بينهما في الجريان مجرى خمسة عشر في ألفاظ محفوظة، إلا أن الغلبة للحال، ولذلك كان منه ما أصله العطف وما أصله الإضافة، وليس في مركب الظروف ما أصله الإضافة. وكان الحال جديرا بالغلبة، لأن الواقع حالا من هذا النوع قائم مقام مفرد ومغْنٍ عنه، كما أن مركب العدد قائم مقام مفرد مغن عنه. وذلك أن ما دون العشرة إذا زيد عليه واحد استحق مفردا يدل على الزائد والمزيد عليه كقولنا للاثنين مزيدا عليها واحد ثلاثة وهكذا إلى التسعة المزيد عليها واحد، وأما العشرة المزيد عليها فترك فيها هذا الأصل واستغنى بالتركيب عنه، ثم رجع إليه في تضعيف العشرة وما فوقه. والأحوال المشار إليها بمنزلة مركب العدد في القيام مقام مفرد، لأن شغرَ يغرَ بمعنى منتشرين، وشذَرَ مَذَرَ بمعنى متفرقين، وخذع مذع بمعنى منقطعين، وأخول أخول في قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>