للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: وأما قوله: «فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» ففيه قولان:

أحدهما: أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته إني صائم وصومي يمنعني من مجاوبتك؛ لأني أصون صومي عن الخنا والزور، والمعنى في المقاتلة: مقاتلته بلسانه.

والمعنى الثاني: أن الصائم يقول في نفسه إني صائم يا نفسي فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة، ولا يعلن بقوله: «إني صائم» لما فيه من الرياء واطلاع الناس عليه؛ لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر، وكذلك يجزئ الله الصائم أجره بغير حساب (١).

وقال ابن حجر في «فتح الباري»: فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله إني صائم، واختلف في المراد بقوله: «فليقل إني صائم» هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك، أو يقولها في نفسه؟ وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأول في «الأذكار»، وقال في «شرح المهذب»: كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنًا، ولهذا التردد أتى البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال: باب هل يقول إني صائم إذا شتم.

وقال الروياني: إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقله في نفسه، وادعى بن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعًا.

وأما تكرير قوله: «إني صائم» فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك، ونقل الزركشي أن المراد بقوله: «فليقل إني صائم» مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كف خصمه عنه، وتعقب بأن القول حقيقة باللسان وأجيب بأنه لا يمنع المجاز (٢).


(١) الاستذكار، ابن عبد البر (٣/ ٣٧٤).
(٢) فتح الباري، ابن حجر (٤/ ١٠٥).

<<  <   >  >>