للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام الماوردي -رحمه الله-:

يختار للناس أن يكثروا من الجود والإفضال في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالسلف الصالح من بعده؛ ولأنه شهر شريف قد اشتغل الناس فيه بصومهم عن طلب مكاسبهم، ويستحب للرجل أن يوسع فيه على عياله ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه، لا سيما في العشر الأواخر منه (١).

وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-:

وكان جوده - صلى الله عليه وسلم - كله لله وفي ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج، أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه، وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر ويعيش في نفسه عيش الفقراء فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع وكان قد أتاه صبي مرة فشكت إليه فاطمة ما تلقي من خدمة البيت وطلبت منه خادما يكفيها مؤنة بيتها فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال: «لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع».

وكان جوده - صلى الله عليه وسلم - يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه تضاعف فيه أيضًا فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة وكان على ذلك من قبل البعثة.

وذكر ابن إسحاق عن وهب بن كيسان عن عبيد بن عمير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في حراء من كل سنة شهرًا يطعم من جاءه من المساكين حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه فيها، وذلك الشهر شهر رمضان خرج إلى حراء كما يخرج لجواره معه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله تعالى برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل من الله -عز وجل-، ثم كان بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك


(١) انظر: الحاوي الكبير للماوردي (٣/ ٤٧٩).

<<  <   >  >>