للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، عَنْ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ-: «أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي» (١).

وقال ابن بطال -رحمه الله-:

وما كانت مدارسته للقرآن إلا لتزيده رغبة فى الآخرة، وتزهدًا فى الدنيا، وفيه: دليل أن الجليس الصالح ينتفع بمجالسته.

فإن قيل: فما معنى مدارسة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن وقد ضمن الله لنبيه ألا ينساه بقوله: {((((((((((((فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: ٦]؟

فالجواب: أن الله تعالى إنما ضمن له ألا ينساه بأن يقرئه إياه فى المستأنف؛ لأن السين فى {سَنُقْرِؤُكَ} دخلت للاستئناف، فأنجز له ذلك بإقراء جبريل، ومدارسته له القرآن فى كل رمضان.

وخص رمضان بذلك؛ لأن الله تعالى أنزل فيه القرآن إلى السماء الدنيا، ولتتأسى بذلك أمته فى كل أشهر رمضان، فيكثروا فيه من قراءة القرآن، فيجتمع لهم فضل الصيام والتلاوة والقراءة والقيام (٢).

قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-:

ودل الحديث أيضًا على استحباب دراسة القرآن في رمضان والإجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة -عليها السلام- عن أبيها - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبرها: «أن جبريل - عليه السلام - كان يعارضه القرآن كل عام مرة وأنه عارضه في عام وفاته مرتين»، وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاًً؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب


(١) صحيح البخاري (٦/ ١٨٦).
(٢) شرح صحيح البخاري، ابن بطال (١/ ٤٠).

<<  <   >  >>