للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي لبس فيها الرجل سلاحه في سبيل الله، ونحوه عن ابن عباس وهب بن منبه: إن ذلك الرجل كان مسلمًا، وإن أمه جعلته نذرًا لله، وكان من قرية قوم يعبدون الأصنام، وكان سكن قريبًا منها، فجعل يغزوهم وحده، ويقتل ويسبي ويجاهد، وكان لا يلقاهم إلا بلحيي بعير، وكان إذا قاتلهم وقاتلوه وعطش، انفجر له من اللحيين ماء عذب، فيشرب منه، وكان قد أعطي قوة في البطش، لا يوجعه حديد ولا غيره: وكان اسمه شمسون.

وقال كعب الأحبار: كان رجلاً ملكًا في بني إسرائيل، فعل خصلة واحدة، فأوحى الله إلى نبي زمانهم: قل لفلان يتمنى. فقال: يا رب أتمنى أن أجاهد بمالي وولدي ونفسي، فرزقه الله ألف ولد، فكان يجهز الولد بماله في عسكر، ويخرجه مجاهدا في سبيل الله، فيقوم شهرًا ويقتل ذلك الولد، ثم يجهز آخر في عسكر، فكان كل ولد يقتل في الشهر، والملك مع ذلك قائم الليل، صائم النهار، فقتل الألف ولد في ألف شهر، ثم تقدم فقاتل فقتل. فقال الناس: لا أحد يدرك منزلة هذا الملك، فأنزل الله تعالى: {((((((((الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} من شهور ذلك الملك، في القيام والصيام والجهاد بالمال والنفس والأولاد في سبيل الله.

وقال علي وعروة: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من بني إسرائيل، فقال: «عبدوا الله ثمانين سنة، لم يعصوه طرفة عين»، فذكر أيوب وزكريا، وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون، فعجب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك. فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين، فقد أنزل الله عليك خيرًا من ذلك، ثم قرأ: {((((((أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فسر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقال مالك في الموطأ من رواية ابن القاسم وغيره: سمعت من أثق به يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر، وجعلها خيرًا من ألف شهر (١).


(١) انظر: تفسير القرطبي (٢٠/ ١٣١، ١٣٢).

<<  <   >  >>