وقد كان القباع أراد هدم دار الفرزدق، في شيء بلغه، ثم إنه كُلم فيه، وهرب الفرزدق، وقال في هربه:
وقبلكَ ما أعيَيتُ كاسرَ عَينهِ ... زياداً فلم تقدرْ عليّ حَبائلُهْ
فآليتُ لا آتيهِ تسعينَ حِجّة ... ولو كُسرتْ عين القُباعِ وكاهِلُهْ
قوله فآليت، يقول فحلفت، يقال آلى فلان وذلك إذا حلف قال: وكان عبّاد بن الحصين، أبو جهضم
الحبطي، على أحداث البصرة، فأعان جريرا على الفرزدق، وهو الذي أعار جريرا الدرع والفرس
لمّا وقفا يتهاجيان، فقال الفرزدق في ذلك:
أفي قَمَليّ مِنْ كُليب هَجَوتهُ ... أبو جَهضمَ تغلى عليّ مُراجلُهْ
وفي مخدعَ منهُ النّوارُ وشربُهُ ... وفي مخدَع أكيارهُ ومَراجلهْ
تميلُ بهِ شربُ الحوانيتِ رائحا ... إذا حرّكتْ أوتارَ صَنْج أناملهْ
ولستَ بذي دَرءٍ ولا ذي أرومَة ... وما تُعط مِنْ ضَيم فإنك قابلهْ
جزعتُم إلى صَنّاجَة هَرَويّةٍ ... على حينِ لا يلقى معَ الجدّ باطلهْ
إذا صقلوا سيفاً ضربنا بِنَصلهِ ... وعادَ إلينا جَفنهُ وحمائلهْ
يقول: هم قيون، فإذا صقلوا السيوف، ضربنا بها، وصارت جفونها إلينا كما قال:
تصفُ السيوفَ وغيركمْ يَعصى بها ... يا أبنَ القُيونِ وذاك فعلُ الصّيقَلِ
وقال جرير للفرزدق والبعيث:
ذكرتُ وِصالَ البيضِ والشّيْبُ شائِع ... ودارُ الصّبا مِنْ عَهدهِن بَلاقعُ
قوله والشيب شائع، يقول: متفرق في الرأس، ومنه قولهم: قد شاع