أنت، أذكر؟ قال: أنا فلان بن فلان، ونحن بجوف الماء حضور، فمن أنت؟ قال الأهتم: أنا سنان بن سمي، وهو
لا يعرف إلا بالأهتم، فغفّل نفسه له، فقال: أنا سنان بن سمي في الجيش وفي الحي. فرجع البكري
فأخبر قومه عنه، ورجع الأهتم فأخبر فيساً الخبر وقال: يا أبا علي، هل بالوادي طرفاء؟ فقال قيس:
بل به نَعم. وعرف أنهم بكر، فكتمهم أصحابه فلما أصبح سقى خيله، ثم أطلق أفواه الروايا وقال
لأصحابه: قاتلوا، فالموت بين أيديكم، والفلاة من ورائكم. فلما دنوا من القوم صُبحا، سمعوا ساقياً من
بكر يقول لصاحب له: يا قيس أورد. فتفاءلوا به الظفر، فأغاروا على أهل النباج قبيل الصبح،
فقاتلوهم قتالاً شديداً، ثم إن بكراً انهزمت. وأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن
مرثد وأسر فدكي بن أعبد المنقري جثامة الذهلي. فأصابوا غنائم كثيرة فقال قيس لأصحابه: لا نقيل
دون إخوتنا بثيتل. قال: ولم يُغر بعد سلامة وأصحابه على من بثيتل، فأغار قيس عليهم، فقاتلوهم، ثم
انهزموا، فأصابوا إبلا كثيرة، وجاء سلامة فقال: أغرتم على ما كان إلي. فتلاجوا، حتى كاد الأمر
يفقم ثم إنهم سلّوا له غنائم ثيتل. وفي ذلك يقول ربيعة بن طريف بن تميم، حيث رثى قيساً:
فلا يُبعِدَنكَ اللهُ قيسَ بنَ عاصِمٍ ... فأنتَ لنا عِزٌ عزيزٌ ومَعقِلُ
وأنتَ الذي حَربتَ بكرَ بنَ وائلٍ ... وقد عَضّلتْ منهاغ النّباجُ وثيتلُ
غَداةَ دَعتْ يا آلَ شَيبانَ إذ رأتْ ... كَراديسَ يهديهنّ وَردٌ محُجّلُ
وظَلّت عُقابُ الموتِ تهفُوا عليممُ ... وشُعثُ النواصيِ لجمهُنّ تُصَلصِلُ
فما منكمُ أفناء بكرِ بنِ وائلِ ... لِغارَتِه إلا رَكوبٌ مُذَللُ