إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد. .
فإن خير ما أنفقت فيه الأيام والليالي وجرت به الأقلام واستفرغ فيه الوسع والجهد هو هذا العلم الشرعي الشريف، الذي هو الدليل والمرشد إلى واسع رحمة الله ورضوانه، وقد بذل علماؤنا وأئمتنا السابقون جهدهم فيه، ولم يستعظموا فيه جهدًا، ولم يستصعبوا فيه أمرًا، بل سعوا إليه ليلهم ونهارهم وسرهم وجهارهم حتى فازوا فيه بفرس السبق، ونالوا به لدى ربهم أعلى المراتب وأشرف المنازل، وحق لعلم مبدؤه من الله ﷿ ومبلغه أمين السماء جبريل ﵇ وأمين من فس السماء نبينا محمد ﷺ أن يوصل إلى كل خير ونجاح وفلاح.
وكما بذل علماؤنا جهدًا عظيمًا فى تحصيل العلم فقد بذلوا مثله أيضًا فى تبليغه ونشره وإيصاله إلى الناس فدرسوا وعلموا وكتبوا فى ذلك وصنفوا وألفوا، وخزائن المكتبات العامة والخاصة مليئة بالمخطوطات التي تحتاج إلى من يستخرجها ويجتهد في إخراجها للناس على الصورة المرضية التي توصل إلى الناس ما فيها من علم وخير.
وإن من توفيق الله للعبد أن يوفق إلى باب من أبواب هذا العلم الشريف ينفق فيه أيامه ولياليه لعله يُلحق بمن سبقه وينال به بعض ما نالوا والله كريم وفضله عظيم.
وقد وقع فى يدي كتاب عظيم النفع جليل القدر وهو "كتاب الروايتين والوجهين" للقاضي أبي يعلى الفراء البغدادي شيخ الحنابلة وممهد مذهبهم.