للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى هذا في رواية حمدان بن علي فقال: المرجئة تقول: إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه وهذا كفر، إبليس قد عرف ربه فقال: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر آية (٣٩)] (١). فقد نص على حصول المعرفة لإبليس، ولو كانت موهبة لم تحصل له لأنه كافر.

والوجه في ذلك أن الله تعالى أجرى العادة بذلك، بحصول المعرفة عند النظر والاستدلال والتفكر، كما أجرى العادة بحصول الطعم عقيب الذوق والسمع عقيب الاستماع، ولا يجوز أن يقال: إن الطعم يحصل بغير ذوق ولا استماع (٢)، ولأن الله تعالى حث على النظر والاستدلال فلولا أن العلم يقع لم يكن به فائدة، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية آية (١٧)] وقال ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف آية (١٨٤)] وقال: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق آية (٥)] وقال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ (٣) الآية [الحج آية (٥)].


(١) الرواية هنا مختصرة وهي عند الخلال هكذا "سألت أحمد وذكر عنده المرجئة فقلت له: إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن، فقال: المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا، المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه وتعمل جوارحه، والجهمية تقول: إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر، إبليس قد عرفه ربه". السنة للخلال (١/ ٥٧١) ومعنى قوله "حتى يتكلم بلسانه وتعمل جوارحه" أنهم يقصدون أن قول اللسان هو عمل الجوارح الواجب فقط.
(٢) هكذا في المخطوط وصوابها "والسمع بلا استماع".
(٣) مما لا شك فيه أن معرفة الله ﷿ تحصل بالنظر والاستدلال معرفة تدل على وجود الخالق والصانع، وأن له صفات كمال وجلال، ولكن قد دل الدليل أيضًا على وجود معرفة سابقة وهي موهبة من الله ﷿، ألا وهي الفطرة. ومن هذه الأدلة قوله ﷿ ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف آية ١٧٢]. وقوله ﷿ ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم آية ٢٠]، وحديث أبي هريرة مرفوعًا "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". أخرجه: خ. الأنبياء (٤/ ١١٦)، م. المنافقين (٤/ ٢١٦٠) وحديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته:."ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم … ". م. ك الجنة (٤/ ٢١٩٧)، حم (٤/ ١٦٢) فهذه الأدلة تدل على أن الله قد غرز في الإنسان معرفته، إلا أن هذه الفطرة وكما =

<<  <   >  >>