عدم استقامة إطلاق الأصل، بل على الاستقراء، وليس بشيء لأنه لو كان كذلك لقال؛ لأنه يؤدي أن يستقيم في جواب غير الظان التأكيد، وهذا مما لا قائل به.
نعم يرد أنه يؤدي ما ذكره من الأصل أن لا يؤكد جواب من يقول أزيدا ضربت؟ وهو خلاف ظاهر كلام القوم. فالضابط ما ظهر من شرح كلام المتن، ويمكن أن يقال: مراد الشيخ باشتراط أن يكون للسائل ظن على خلاف الجواب الكون بالقوة القريبة من الفعل، وذلك بأن يكون مترددا في خصوص الحكم الذي يجاب به، فإنه إذا تردد بين الطرفين وصارا ملحوظين له فكلا منهما في معرض الرجحان؛ وقريب من حصول التصديق، فكل ما يجيب به سؤاله فهو على خلاف ما هو مظنونه بالقوة القريبة، وحينئذ يوافق ما ذكره كلام المصنف.
(وإن كان) المخاطب (منكرا) للحكم حاكما بخلافه فالمنكر اسم فاعل، وجعله اسم مفعول منكر، وإن كان له وجه صحة (وجب توكيده) أي الحكم (بحسب الإنكار) أي بقدر الإنكار. أي: زائدا على قدر ما للسائل بالغا ما بلغ، على حذو الإنكار؛ فله فائدتان:
إحداهما: اشتراط أن يكون زائدا على قدر تأكيد المتردد.
وثانيهما: أنه متفاوت بحسب المقامات، وإن اقتصر الشرح على بيان الفائدة الثانية.
يرشدك إلى ما ذكرنا جواب أبي العباس المبرد (١) لأبي إسحاق المتفلسف الكندي حين سأله قائلا: إني أجد في كلام العرب حشوا؛ يقولون: عبد الله قائم، ثم يقولون: إن عبد الله قائم، ثم يقولون: إن عبد الله لقائم، والمعنى واحد! ! وذلك أن قال: بل المعاني مختلفة. فقولهم: عبد الله قائم إخبار عن قيامه، وقولهم: إن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل، وقولهم: إن عبد الله لقائم جواب عن إنكار منكر قيامه.
***
(١) المبرد: هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي البصري النحوي اللغوي ولد في ذي الحجة سنة ٢١٠ هـ وتوفي في شوال سنة ٢٨٥ هـ.