(الفن): لغة الضرب والتزيين، ولكل منهما مناسبة بالمصطلح عليه مستغنية عن التبيين (الثاني) أي: ثاني الأول، فإنه جعل الفن الأول اثنين، أو ثاني الفنون الثلاثة فإنه في المرتبة الثانية؛ لأن التعبير فرع ترتيب المعاني في النفس، وما هو داخل في البلاغة أصل بالنسبة لما هو تابع لها، فلذا أخر عن المعاني وقدم عن البديع، وأما ما قال السيد السند: إنه أخر عن علم المعاني؛ لأن علم المعاني يبحث عن إفادة التركيب لخواصها، وعلم البيان عن كيفية تلك الإفادة فنزل منه منزلة المركب من المفرد الشعبة من الأصل، ففيه أن علم البيان يبحث عن الدلالات العقلية على أصل المعنى، لا على الخواص على أن تأخر كيفية الإفادة عن الإفادة تفيد رجحان تأخير البيان من غير حاجة إلى تنزيله من المعاني منزلة المركب من المفرد.
قال الشارح في المختصر: قدّمه على البديع للاحتياج إليه في نفس البلاغة، وتعلق البديع بالتوابع يريد أنه يحتاج إليه في نفس البلاغة في الجملة لا أنه لا يتم بلاغة كلام بدون إعمال علم البيان، إذ الكلام المركب من الدلالات المطابقية لا يحتاج في تحصيل بلاغته إلا إلى علم المعاني؛ إذ لا حاجة إلى البيان للدلالات المطابقية كما ستعرف، وبهذا التحقيق ظهر وجه آخر ليقدم على علم المعاني؛ إذ لا بد منه في بلاغة الكلام أصلا بخلاف البيان.
(علم البيان)
بمعنى يقابل علمي المعاني والبديع (وهو علم) أي: مسائل معلومة عن الأدلة أو تصديقات بها حاصلة عن الأدلة أو ملكة هذه التصديقات، أعني: كيفية راسخة يتمكن بها من التصديق بمسألة مسألة تفصيلا من غير حاجة إلى تجشم كسب جديد، وإنما قيدنا معاني العلم للحصول عن الدليل، وإن أطلقها الناظرون في هذا المقام؛ لما حققت أن من جمع مسائل العلم بالتقليد لا يسمى عالما، وتصديقاتها لها لا يسمى علما، واستعمال لفظ العلم في التعريف مخلّ لما عرفت من اشتراكه، وما يدفع به هذا الخلل من أن استعمال اللفظ المشترك في مقام يصح أي معنى يراد مما لا يعاب بخلوه عن ضرر الاشتراك، وهو فهم غير