وحواشي بعض فضلاء الأنام، ولزيفت ما هو مزيف، وأحكمت ما هو قابل للإحكام، ولعل المصنف علم قصد الفرزدق فبني التمثيل على قصده فلا يضره احتمال.
[وأما في الانتقال]
(وأما في الانتقال) أي في الانتقال الذي ليس لخلل النظم، وإلا فعدم ظهور الدلالة الخلل في النظم إنما هو لخلل في الانتقال، ولك أن تريد الانتقال من الموضوع له، ويتم التقابل إذا ما سبق خلل الانتقال فيه من اللفظ، وذلك الخلل إما لإرادة ما ليس لازم المعنى الأول الذي أريد الانتقال منه، وذلك بعيد الوقوع رديء جدّا، وإما لكونه لازما بعيدا يغتر الذهن دون الوصول إليه، وإما لعدم نصب القرينة، وذلك أيضا بعيد جدّا، أو لنصب ما هو خفي.
(كقول الآخر) لم يقل كقوله ليعلم أنه غير الفرزدق، أو ليعلم أنه أيضا بليغ من البلغاء، كأنه كقول البليغ الآخر، ولذا صرح باسم الفرزدق أيضا سابقا ليعلم أن البلاغة والمهارة لا يمنع عن الهفوة، فلا بد لكل ذي يد طولى أن يسعى في تحصيل ما هو الطولي، ولا يعتمد على أن بلوغه المرتبة العليا متكفل له، وقال الشارح: لئلا يتوهم أنه الفرزدق، وفيه أنه تأكد حينئذ التوهم في قوله: كقوله:
سبوح لها ... إلخ:[سأطلب](١) سوف أطلب البعد، وإن كان مهمّا، وقال:
[بعد الدار عنكم] فأضاف البعد إلى الدار إشارة إلى أن بعد ذاتهم لا يمكن أن يخطر بالبال، وطلب بعد الدار غير مقدور في الحال غاية الأمر، وسوسة النفس، والعقل مبالغ في الإمهال، وأسند القرب إلى ذاتهم بقوله:[لتقربوا] لأن قربهم متمكن في الخيال، ولا يترنم بغيره المقال [وتسكب] بالنصب بتقدير أن لعطفه على بعد الدار، وبالرفع لعطفه على سأطلب [عيناي الدّموع لتجمدا] ومعنى البيت على ما هو المشهور عند القوم أن عادة الزمان والإخوان إلجاء الطالب إلى الحرمان، فأي أمر كان هو المرتقب بحكم الزمان والإخوان انعكس وانقلب، فإلى الآن بقيت في حزن البعد، والاحتجاب للمبالغة في طلب السرور
(١) البيت للعباس بن الأحنف بن الأسود الحنفي اليمامي، وهو شاعر غزل رقيق قال فيه البحتري: هو أغزل الناس. انظر ترجمته في الأعلام (٣/ ٢٥٩)، والبيت في ديوانه (١٠٦)، طبعة دار الكتب، والإيضاح (٦) تحقيق د/ عبد الحميد هنداوي، ودلائل الإعجاز (٢٦٨)، والإشارات والتنبيهات (١٢).