للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصل الحذف فإنما هي من جهة أن الجار والمجرور لا بد له من فعل يتعلق هو به، كما يشهد به القوانين النحوية.

[الإطناب]

كذا في الشرح وفيه أن المخاطب قلما يكون نحويا فلا معنى لجعل طلب الجار والمجرور فعلا متعلقا بمعرفة القوانين، بل ينبغي أن يجعل الدليل عليه طلب معنى حرف الجر له بمقتضى العقل، وأن تقدير الفعل للجار والمجرور لرعاية القواعد النحوية غير معتبر عند علماء الفن. ولذا لم يجعل في القصاص حياة إيجازا لحذف، مع أن حرف الجر يقتضي المحذوف على قاعدة النحوية، وبهذا علم أن التمسك بطلب معنى حرف الجر تقدير الفعل أيضا ضعيف، بل إنما يطلب الحذف عند عدم تمام الكلام بدونه في (نحو: بسم الله الرحمن الرحيم فيقدر ما جعلت التسمية مبتدأ له) (١) حتى لو قيل: قرائتي بسم الله الرحمن الرحيم لا يكون دليلا على الحذف (ومنها الاقتران) أي: الاقتران بعد وجود الفعل حتى يصح جعله مقابلا للشروع، وإلا فالشروع أيضا اقتران (كقولهم للمعرس) على صيغة اسم الفاعل من الإعراس بمعنى اتخاذ الوليمة والبناء على الأهل، والمراد الثاني: (بالرفاء والبنين أي: أعرست) فإن كون هذا الكلام مقارنا للإعراس دل على أن المحذوف وهو أعرست والباء للملابسة، والمراد بالرفاء الملايمة والاتفاق، وأصله الإصلاح، ومن أدلة الحذف، وقد فاتهم دليل تعيين مقام المحذوف كما في: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن مقام دعوى الاختصاص عين أن موضع التقدير بعد بسم الله الرحمن الرحيم، لا قبله (والإطناب إما بالإيضاح بعد الإبهام) ومنه ما فاتهم ولم يضبطوه، وهو كعكس ذلك ولنسمّه إجمالا بعد التفصيل، لا إبهاما بعد الإيضاح إذ لا يصير ما يعقب الإيضاح مبهما كقوله تعالى: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (٢) ليرى المعنى في صورتين مختلفتين.

إحداهما مبهمة، والأخرى موضحة، ولا خفاء في أن تلك الإراءة كعرض


(١) الحق أن الشروع في الفعل يدل على تعيين المحذوف فقط، والذي يدل على الحذف هو أن الجار والمجرور لا بد لهما من متعلق، وهذا يرجع إلى الفعل لا إلى الشروع في الفعل.
(٢) البقرة: ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>