ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ (١) حيث ذهب الشيخ عبد القاهر والمفتاح إلى أن المراد يقع منهم السقي ومنهما الذود؛ لأن ترحم موسى عليهما لذودهما، وسقي القوم لا لسقي القوم المواشي، وذودهما الغنم، إذا لا مدخل في الترحم، لكون المسقي الإبل وكون المذود الغنم، فلو قيد الفعلان بهما لأوهم خلاف المقصود، وجعله المفتاح في تقدير: يسقون مواشيهم، وتذودان غنمهما، وادعى أن الكلام ينصب إلى تلك الإرادة.
قال الشارح: هذا أقرب إلى التحقيق؛ لأن ملاك الترحم أنهما تذودان غنمهما حتى لو كانتا تذودان غنم الغير لم يكن المقام مقام الترحم، وكذا حال السقي؛ لأنهم لو يسقون مواشي غيرهم لم يكن الأمر كذلك، ويمكن تقوية الشيخين بأن الترحم بصدور الذود للظلم عليهما، والسقي للتعدي سواء كان الذود لغنمهما، أو لغنم غيرهما، والسقى لمواشيهم أو مواشي غيرهم، حتى لو كان ذلك لرعاية النوبة لم يكن موجبا للترحم.
[الحذف وأغراضه]
(ثم) أي: بعد ثبوت القرينة لا بد من نكتة (الحذف إما للبيان) أي:
الإظهار (بعد الإيهام) أي: الإخفاء (كما في فعل المشيئة) أي: كما شاع في فعل المشيئة، ولم يقل كما في المشيئة ليعلم أنه لا يخص بلفظهما، بل يوجد كلما وجد الفعل سواء ذكر بلفظهما أو بلفظ الإرادة أو غير ذلك، فإنه يحذف مفعولها في الشرط؛ لدلالة الجزاء عليه، ولا ينبغي أن يخص ذلك بالشرط، كما يوهمه بيان الشارح؛ إذ لا يفرق المتفطن بين قولك بمشيئة هداكم أجمعين، وبين المثال المذكور في الحذف لتلك النكتة (ما لم يكن تعلقه به غريبا) يوهم أن كون الحذف للبيان بعد الإبهام مقيد بذلك الوقت، حتى لو كان غرابة في تعلقه لم يكن الحذف لذلك، وليس بمراد، بل المقيد به الحذف، فإنه تنتفي القرينة حينئذ على الحذف؛ لأن الغرابة تعارض القرينة، فلا يلتفت الذهن إلى المحذوف، فهجر في المفعول الغريب الحذف لغلبة الالتباس، ولا يخفى أنه كما أن الحذف في فعل المشيئة مقيد بنفي غرابة التعلق بالمفعول المحذوف، كذلك الحذف مطلقا مقيد