غير امتنان، كما وهب لنا الفياض المنان، وإن طال الكلام وحال السآم بينك وبين الأفهام؛ لأنه منشط وللسآم مسقط فنقول:
فرق بين المعنى التعريضي المجازي وبين المجاز فإنك في المجاز تنصب القرينة على عدم إرادة المعنى الحقيقي، وفي التعريض تريد الحقيقة للانتقال إلى المعنى التعريضي من غير استعمال اللفظ فيه؛ لأنه لا يكون التلفظ به من غير إرادة معنى باللفظ إلا أن المعنى التعريضي تصرف النفس بالكلية عن الالتفات إلى ما أريد به إلى الالتفات إلى ما هو في عرض اللفظ، وكذلك فرق بين التعريضي على سبيل الكناية وبين الكناية، فإنه في الكناية لا يكون القصد إلا إلى غير الموضوع له، وإن قصد الموضوع له كان للانتقال إلى الغير بخلاف التعريض على سبيل الكناية كما في آذيتني فستعرف فإن التفات النفس واهتمامها إلى وعيد المخاطب وغيره على سواء.
[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]
(فصل)(أطبق) أي: أجمع من قولهم: أطبق القوم على الأمر: أجمعوا (البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ) يقال ثناء أبلغ، أي: مبالغ فيه، فالمعنى أن المجاز والكناية مما بولغ فيهما مبالغة أكثر، حيث بولغ في تقرير معنييهما وتحقيقهما، فقوله: أبلغ شاذ من وجهين:
أحدهما: أنه أخذ من المزيد، كقولهم: هو أعطاهم للدينار والدرهم.
وثانيهما: أنه بمعنى المفعول، ولك أن تجاوز الشذوذ الثاني إلى التجوز في وصف اللفظ بكونه مبالغا في تقرير معناه وتحقيقه، وإنما لم يجعلوا الأبلغ من البلاغة، فيكون المعنى أن كلاما فيه كناية ومجاز أبلغ من كلام فيه الحقيقة الصرفة، ويكون وجه الأبلغية كونه أكثر مبالغة؛ لأن كثرة المبالغة لا توجب البلاغة مطلقا في مقام يستدعي المبالغة. فرب حقيقة أبلغ من المجاز؛ لوقوعها في مقام لا يسع المبالغة.
قال الشارح المحقق والسيد السند في شرحي المفتاح: يراد بالبلغاء علماء البيان على ما هو الظاهر؛ لأنهم هم الذين يظهر منهم الإجماع، ويمكن أن يراد جميع البلغاء، ويجعل إجماع أهل السليقة بحسب المعنى، حيث يعتبرون هذه المعاني في موارد الكلام، وإن لم يعلموا هذه الاصطلاحات.