للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة للحقائق المركبة كلمة ظاهرة مستفيضة، فينبغي تقسيم الحقيقة إلى المفرد والمركب وتعريف المفرد منها بما ذكره على طبق تقسيم المجاز، ولما توقف معرفة الحقيقة والمجاز على تعريف الوضع المأخوذ فيهما عقب تعريف الحقيقة، وصدر تعريف المجاز به فتعريف الوضع لأجل معرفتهما لا للحقيقة فقط.

[والوضع تعيين اللفظ]

فقال: (والوضع) لا مطلقا، وإلا لكان تعريفه تعريفا بالأخص؛ لأن الوضع المطلق تعيين الشيء للدلالة على المعنى بنفسه، لفظا كان أو غيره، كالخط، والعقد، والإشارة، والنصب، والهيئات، ولا وضع الكلمة كما يستدعيه تعريف الحقيقة، وإلا لكان تعريفا بالأعم، وحمل اللفظ على الكلمة يجعل اللام للعهد، وأن يصلحه، لكن يمنع عنه رعاية مصلحة معرفة المجاز الذي هو المقصد هنا.

ولا يخفى أنه فوت المصنف مصلحة التعلم والتعليم حيث أخر تعريف الوضع إلى هذا المقام وأول ما يحتاج إليه في هذا الفن تقسيم الدلالة الوضعية، فليت شعري بأنه ماذا أخره؟ (تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه) (١) ولا يختلج في وهمك أن الأولى للدلالة على شيء؛ لأن المعنى إنما يصير معنى بهذا التعيين فطرفا الوضع: اللفظ والشيء لا اللفظ والمعنى؛ لأنا نقول: نعم، لكن طرفا الدلالة المترتبة على الوضع اللفظ، والمعنى فكن متبصرا حديد النظر في دقائق المعاني: لئلا تغفل عن لطائف البيان، لكن الأولى تعيين اللفظ لشيء بنفسه؛ لأن الوضع إضافة بين اللفظ والشيء والإضافة إنما تتضح حق الاتضاح بتعيين طرفيها، على أنك تستغني حينئذ في معرفة الوضع عن تعريف الدلالة، ويكون أخصر، وكأنه أراد صاحب التعريف إيداع العلل الأربع، فإن التعيين لا بد له من معين فيدل عليه بالالتزام، واللفظ والمعنى بمنزلة العلة المادية للوضع وارتباط اللفظ بالمعنى بمنزلة العلة الصورية للوضع والدلالة على المعنى بنفسه هي العلة الغائية.

(فخرج المجاز) متفرع على تقييد تعريف الوضع بنفسه، يعني خرج تعيين


(١) أي بغير وساطة قرينة، وبهذا يدخل فيه وضع الحروف، لأن معانيها تفهم منها بغير قرينة وإن كانت غير مستقلة بنفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>