للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن التحقيق ما ذكره هنا فإنه يوجد المكني عنها بدون التخييلية، ويتجه على السكاكي أن المستعار منه هو الشيب دون النار؛ لأن الاستعارة بالكناية عنده هو المشبه المستعمل في المشبه به.

نعم، يصح على مذهب السلف من أن الاستعارة بالكناية هو المشبه به المستعار للمشبه على سبيل الرمز؛ وسيأتي تحقيقه.

[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

(وإما عقلي) قسيم لقوله: (إما حسي) (نحو: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (١) أي ننزع منه النهار (فإن المستعار منه كشط الجلد عن نحو الشاة، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل) وموضع إلقاء ظله جعل المستعار له كشف الضوء، لا كشف النهار؛ لأن النهار زمان كون العالم مضيئا، والليل زمان كونه مظلما، ولا ينسلخ أحد الزمانين عن الآخر، بل الضوء عن وجه الظلمة، فنبه على أن تعلق السلخ بالنهار تجوز حقيقة سلخ الضوء، لكن الأولى أن يقول: عن ظلمة الليل مكان قوله مكان الليل؛ إذ ليس المستعار له الكشف عن مكان الليل، بل عن الظلمة، فلا يليق ذكره في مقام البيان، وإنما يمكن تصحيحه بجعله مجازا عن الظلمة.

ولقد نبه بالعدول عن عبارة المفتاح، والشيخ عبد القاهر حيث جعلا المستعار له والمستعار منه: الظهورين، على أنه لا يناسب استعمال السلخ المتعدي، فجعل المستعار منه: إظهار الشاة من الجلد، والمستعار له: إظهار الليل من النهار.

(وهما) أي: الكشط والكشف المذكوران (حسيان، والجامع ما يعقل) ولا يحس به (من ترتب أمر على آخر) (٢) أي: حصول أمر عقيب أمر دائما أو غالبا، كترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء عنها.

وهذا يخالف ما ذكره الشيخ عبد القاهر والسكاكي: أن المستعار له: ظهور


(١) يس: ٣٧.
(٢) الحق أن هذا الترتيب حسي لتعلقه بأمور محسوسة، وإنما يكون الترتيب عقليا في مثل ترتيب النتيجة على العلم بالمقدمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>