سوى هنا نظر؛ لأنه حرف استثناء، ولا معنى للاستثناء هنا والعبارة الصحيحة غير ما ذكر بجعله حالا عن المبتدأ، وإنما وقع فيه من تغيير عبارة «المفتاح» وهي صحيحة حيث قال: ولو لم يكن فيه أي: في باب نعم شيء سوى أنه يبرز الكلام في معرض الاعتدال نظرا إلى إطنابه من وجه، وإلى اختصاره من آخر، وإيهامه الجمع بين المتنافيين مثله في الجمع قد بين الإجمال والتفصيل لكفى (إبراز الكلام في معرض الاعتدال) وقد عرفت وجهه (وإبهام الجمع بين المتنافيين) من الإيجاز بحذف المبتدأ، والإطناب بذكر الرجل، والإجمال والتفصيل والإيضاح والإبهام والإبخار والإنشاء، وإبهام الجمع بين المتنافيين يوجب استطراف البيان واستغرابه، وفيه ظهور سلطان البلاغة في ملك البيان يجمع حيث بين الذئب والغنم، وإنما قال: إبهام الجمع، لأن حقيقة الجمع بين المتنافيين محال، ومن موجبات حسنه، سوى ما ذكر اجتماع جهتى البلاغة فيه، من الإيجاز والإطناب.
[ومنه التوشيع]
(ومنه التوشيع) قال الشارح: التوشيع لف القطن بعد الندف فكأنه يجعل التعبير عن المعنى الواحد بالمثنى المفسر باسمين منزلة لف القطن بعد الندف، وفيه أنه بمنزلة الندف بعد اللف؛ لأن المثنى أشبه باللف والتفسير بالندف فالوجه أنه من قبيل التسمية بالضد وربما يقال المثنى بجمعه المتعدد يشبه الندف الذي يجعل القطن المتفرق شيئا واحدا، وتفصيله يشبه تقسيم المندوف باللف.
ولك أن تجعله من قبيل التوشيع بمعنى أعلام الثوب؛ إذ فيه تزيين البيان الذي هو ثوب للمعنى (وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمعنى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على الأول) لا يظهر فرق بين المثنى المفسر باسمين وبين الجمع المفسر بأسماء، ولعلهم ذكروا أقل ما يكون وكذا لا يظهر فرق بين المثنى في عجز الكلام، وفي أثنائه كأن يقال يشيب ابن آدم وخصلتاه يشبّان الحرص وطول الأمل، فالأظهر أن يحذف العجز عن التعريف (نحو «يشيب ابن آدم ويشبّ فيه خصلتان الحرص وطول والأمل»)(١) وكقوله:
سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خدّيها بغير رقيب
(١) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد، بلفظ: «يهدم ... » كما في صحيح الجامع (٨٧٣).