للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المصنف: فرع على وصفهم بشفاء أحلامهم لسقام الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب، ونحن نقول: جعل أحلامهم بمنزلة الدماء فإن حياة العاقل بالعقل كما أن حياة الحيوان بالدم والجهل بمنزلة الكلب، وقد عرض لأعداء أهل البيت وقاصدي دمائهم، بأنهم في سلك كلاب كلبة يستشفون بدمائهم، فإنهم المنهمكون في طلب الدنيا، فقد ورد في حقهم كلام النبوة (الدنيا جيفة وطلابها كلاب) (١) إن قلت الظاهر أنه فرع على وصفهم بشفاء دمائهم من الكلب وصفهم بشفاء أحلامهم عن سقام الجهل فإنه جعله مشبها به، والمشبه ملحق بالمشبه به دون العكس، قلت نعم هذا هو الظاهر وغاية توجيه كلامه أن ذكر المشبه به فرع ذكر المشبه، لأنه أورد لبيان حاله فإثبات المشبه به بعد إثبات المشبه في الكلام وفرعه، فتأمل، ووجه تحسين التفريع أنه يجعل المتعلقين مرتبطين في الذكر، كما أنهما مرتبطان في المعنى فيتطابق الذكر والمذكور.

[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

(ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم) قال الشارح النظر في هذه التسمية على الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون ذلك في غير المدح والذم، ويكون من محسنات الكلام، كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ (٢) يعني: إن أمكن لكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، فالغرض المبالغة في تحريمه، وليسم تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه أي فليسم ما سمى باعتبار الأعم الأغلب تأكيد المدح بما يشبه الذم تأكيد الشيء بما يشبه نقيضيه فإنه العبارة المنطبقة على المراد، وفيه نظر؛ لأنه لو كان تأكيد المدح بما يشبه الذم بمعنى تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه لم يصح ذكر تأكيد الذم بما يشبه المدح مقابلا له، ولم يصح ما ذكره في شرح المفتاح، أن المفتاح اكتفى عن تعريفه بما يفيده الاسم؛ لأن الاسم يفيد ما هو أخص من تعريفه، وأيضا لا يصح حصره في الضربين المذكورين، وأيضا لا يرجح لإدخال الصورة المذكورة في تأكيد المدح بما يشبه الذم على إدخاله في تأكيد الذم بما يشبه المدح، فالحق أن النظر في التسمية على أمر منطبق عليه الاسم وبيان الغير ترك


(١) أورده العجلوني في كشف الخفاء (١/ ٤٩٣)، وقال: ليس بحديث وإن كان معناه صحيحا، وذكره السيوطي في الدرر بلفظ: الدنيا جيفة والناس كلابها، وروي عن علي موقوفا».
(٢) النساء: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>