للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أحدهما: أنه نهب الأعمار دون الأموال) (١) وذلك مفهوم من تخصيص الأعمار بالذكر، والإعراض عن الأموال، مع أن النهب بها أليق، وهذا ينبئ عن علو الهمة أو عن كمال الغناء، بحيث لا حاجة له إلى المال.

(والثاني: أنه لم يكن ظالما في قتلهم) وإلا لم يكن لأهل الدنيا سرور بخلوده، لأن وجود الظالم سبب لحزن كل أحد، للخوف من ظلمه، فلا يتصور تهنئتهم بخلوده، وتهنئة الدنيا تهنئة أهلها، وأيضا لو كان ظالما في قتلهم لكان لمصلحة نفسه، وهو إما المال أو البقاء، فعدم جمع الأعمار يدل على أنه ليس طالبا للبقاء، وعدم نهب الأموال دل على أنه لم يكن طالبا للمال، وفيه وجه ثالث، وهو أنه لم يجمع الأعمار، والناس تجمع المال الذي دون العمر فكم بينه وبين الناس.

[ومنه الإدماج]

(ومنه: الإدماج وهو) في اللغة لف شيء في الثوب وفي العرف (أن يضمن كلام سيق لمعنى مدحا كان أو غيره معنى آخر) مفعول ثان ليضمن المسند إلى المفعول الأول، فبذكر التضمين احترز عن التصريح بمعنى مع سيق الكلام لأجله، كما في قوله، في تهنئة بعض الوزراء لما اتخذ وزيرا: -

أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم

فقلت له نعماك فيهم أتمّها ... ودع أمرنا إنّ المهمّ المقدّم (٢)

فإنه رد المقصود على من قال إن هذا الشعر فيه إدماج في الشكوى عن الدهر في التهنئة، وقال اخط إذ الشكوى مصرح بها، بل فيه إدماج التهنئة في الشكوى عن الزمان، هذا وفيه نظر، لأن البيت سيق للتهنئة فكيف تكون التهنئة إدماجا والشكوى أصلا؛ على أن في كون الشكاية من الزمان مصرحا بها نظرا، فإن إباء الدهر في واحد من أمرين طلبا منه لتقديم المهم ليس محلا للشكوى، وكيف يحمل على الشكوى وآخر كلامه مصرح بالشكر.


(١) لتخصيصه الأعمار بالذكر دون الأموال مع أن النهب بها أليق، والبلغاء يعتبرون مفهوم اللقب في مثل هذا من المحاورات والخطابيات.
(٢) البيتان لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، المتوفي سنة ٣٠٠ هـ يهنىء سليمان بن وهب حينما استوزره الخليفة المعتضد العباسي، ويعرض له باختلال حاله.
انظر البيتين في الإيضاح: ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>