للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

(فصل)

من الخاتمة في حسن الابتداء والتخلص والانتهاء، وإنما يوصى بتحسين المواضع الثلاثة لأن أشد ما يعاب على الصانع أن يقصر في أول فعله، لأنه يدل على كمال ضعفه، لأن كمال القوة وشهرة العقل في أول الأمر، فإذا توانى فيه يتنفر عنه المخاطب في الغاية، ويحتقره، وحسن التخلص مما يتوقعه كل أحد وينتظر أن يشاهد ما عمله في الانتقال إلى المقصود، فإن أول الكلام توطئة لما ينتقل إليه، فإذا لم ينتقل كما ينبغي ظن به أنه سقط مع كمال تحفظه، فيشهد عليه بضعف الروية ونقصان الاستطاعة، والانتهاء محل القضاء القوة، فإذا جاء كما ينبغي ظهر كمال الصانع، وبدأ سلطانه، وتمكن حسن فعله إلى نظر، وعظم وقعه.

وقال المصنف: الابتداء أول ما يقرع السمع، فإن كان عذبا حسن السبك، صحيح المعنى أقبل السامع على الكلام، فوعى جميعه، وإلا أعرض عنه ورفضه، وإن كان الباقي في غاية الحسن والتخلص يترقبه السامع، وينتظره أنه كيف يقع فإذا كان حسنا ملائم الطرفين حرك من نشاط الصانع وأعان على إصغاء ما بعده، وإلا فبالعكس، والانتهاء آخر ما يعيه السامع ويرتسم في النفس، فإن كان حسنا تلقاه السمع واستلذ به، حتى يجبر ما وقع فيما سبق من التقصير، كالطعام اللذيذ الذي يتناول بعد الأطعمة التفهة، وإن كان بخلاف ذلك كان على العكس، حتى ربما أنساه المحاسن الموردة فيما سبق، وأقول: ومن هذا القبيل المبالغة في وصف حسن وجه المحابيب ثم موضع النطاق ثم الساق والقدم.

(ينبغي للمتكلم) شاعراا كان أو كاتبا (أن يتأنق) أي يعمل بالأنيق، كذا في القاموس، وقال الشارح: أي أن يفعل فعل المتأنق في الرياض، من تتبع الأنق والأحسن، يقال: تأنق في الروضة إذا وقع فيها متتبعا لما يونقه أي يعجبه (في ثلاثة مواضع من كلامه حتى يكون أعذب لفظا) بأن يكون في غاية البعد من التنافر والثقل، والغرابة ومخالفة القياس، وتخصيصه بالبعد عن التنافر والثقل مخلّ بالمقصود.

<<  <  ج: ص:  >  >>