للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيأتيه من شرار الناس الذين يدعون على من ينكر العلم بأن سبقه غيره فإن السارق بل يدعون على من خصه الله بفضل أنه سرقه من غيره مع أنه لم يظهر هذا الفصل من غيره أصلا- حكى عن ابن ميادة- أعني الرماح بن أبرد بن ثريان، الشاعر المنسوب إلى أمه ميادة، وهي أمة سوداء- أنه أنشد لنفسه:

مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ... تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد (١)

فقيل: ابن يذهب بك هذا للخطيئة فقال: الآن علمت أني شاعر إذ وافقته على قوله، ولم أسمعه، وتوارد الخاطرين أكثر من أن يحصى في المعاني يحكم به وجدان كل أحد، وإن كان توارد الشعر بعينه أو بأكثر ألفاظه قليلا، ولا يخفى أن هذا الاحتياط فيما إذا لم يكن خارقا للعادة، أما من نسب قصيدة أو أبياتا متعددة سبقه غيره فيها إلى نفسه فلا يتأمل في الحكم لسبق غيره عليه.

(فإذا لم يعلم قيل قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان فقال كذا) ليغتنم بذلك فضيلة الصدق، وسلم من دعوى العلم بالغيب، ومن نسبة الغير إلى النقص.

[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

(ومما يتصل بهذا) أي بالسرقات الشعرية كما يقتضيه قوله: خاتمة في السرقات الشعرية، وما يتصل بها إلا أن ذلك يقتضي أن يقال: ومما يتصل بهذا الفن، فجعل ما سبق بتأويل الفن، والأنسب ما ذكره الشارح حيث قال: أي بالقول في السرقات الشعرية، لأنه يذكره قوله (القول في الاقتباس والتضمين والعقد والحل والتلميح) وستعرف وجه التسمية لكل في موقعه.

وفي قوله (ومما يتصل) إشارة إلى أن المتصل به لا ينحصر فيما ذكر، بل لك أن تلحق به ما توقف على استخراجه، ووجه الاتصال في غاية الوضوح، ولم يسم الكل سرقات، ولم يقسم إلى الشعرية وغيرها، لأن هذه الصنائع منزهة عن السرقة، وانتحال ما للغير كما لا يخفى.

(أما الاقتباس) هو أخذ النار أو استفادة العلم، ومناسبة كلا المعنيين بصنعة الاقتباس ظاهرة، لأن المتكلم أخذ من القرآن أو الحديث في كلامه ما هو


(١) انظر البيت في الإيضاح: (٣٥٨) لابن ميادة. مفيد: أي للناس بكرمه. متلاف: مبدد للمال بكرمه أيضا. تهلّل: تلألأ وجهه من السرور. المهند: السيف المشحوذ، أو السيف المصنوع من حديد الهند.

<<  <  ج: ص:  >  >>