للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدائم، والحمر كالمدامة؛ لأنه ليس بشراب يستطاع إدامة شربه إلا هي:

(فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب ... فو الله ما أدري أبا لخمر أسبلت)

ذكر أسبل الدمع في القاموس بمعنى أرسله، وفي الصحاح: بمعنى هطل، فعلى الأول الباء زائدة، وعلى الثاني للتعدية، فجعل الزيادة وهما مطلقا كما في الشرح، وهم لا يقال زيادة الباء في غير النفي والاستفهام، وفي غير خبر المبتدأ إسماع ولا يثبت السماع بالبيت مع احتمال باء التعدية؛ لأنا نقول باء التعدية أيضا سماعية على أن من جعلها زائدة لعله سمع الزيادة فلا يتم الحكم بكونه وهما ما لم ينف السماع والإحاطة بالنفي متعذرة (جفوني أم من عبرتي كنت أشرب] (١)

[ويجوز التشبيه أيضا]

ويجوز) عن قصد التشابه (التشبيه أيضا) لأن أداة التشبيه قد يستعمل لمجرد قصد التشريك.

(كتشبيه غرة الفرس بالصبح، وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه) والجواز قد استفيد من قوله: فالأحسن واضحا، وكأنه تعرض له لتوضيحه بالتمثيل ولا يخفى أن البيت كما يشتمل على تمثيل الأحسن الذي هو التشابه يشتمل على تمثيل الحايز الذي هو التشبيه؛ حيث اشتمل على قوله فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب، وكأنه أراد التمثيل للتشبيه، فأحد الطرفين أكمل مع أنه لم يقصد الإلحاق، بل التشابه بعد التمثيل له بما لا مزية لأحد الطرفين على الآخر، فتأمل.

ولما فرغ من النظر في الطرف والوجه والأداة والغرض حان النظر في تقسيمه بالاعتبارات الأربعة فشرع فيه على ترتب ذكر الأربعة، فابتدأ بالتقسيم باعتبار طرفيه فقال: (وهو) أي: التشبيه (باعتبار طرفيه) أي: المشبه والمشبه به أربعة أقسام: قسمه الأول: أيضا أربعة أقسام، والثالث والرابع قسمان يعلم انقسامهما إلى القسمين من بيان تقسيم الأول إلى الأقسام الأربعة، فاكتفى به ولم يشر إلى تقسيمهما.


(١) البيتان أوردهما القزويني في الإيضاح: ٢٢٤، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات: ١٩٠، وعبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة: ١٥٦، والمدامة: الخمر، وسميت بذلك؛ لأنه لا شراب يستطاع إدامة شربه غيرها، والعبرة: الدمع، والتساوي في قوله: تشابه دمعي ومدامتي- ادعائي إذا كان المراد تشابههما في الحمرة، ويجوز أن يكون المراد أنها تشابها في الصفاء، وأبو إسحاق الصابي هو إبراهيم بن هلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>