للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فزيادة مطابقة كلام على مطابقة كلام آخر مما لا خفاء في تحققها، لكن الظاهر أن المراد بقولهم: البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال مطابقته لكل ما هو مقتضى الحال، لأنه المتبادر اللائق بالاعتبار، وإن لم يكتف، وشرط في البلاغة مطابقة الكلام لمقتضيات الحال كلها، فمزية المطابقة على مطابقته بأن يكون أحوال كلام أكثر من أحوال كلام آخر.

[فمقتضى الحال]

(فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب) متفرع على قوله: وارتفاع شأن الكلام، والمقصود منه التنبيه على أن مقتضى الحال معناه مناسب الحال لا موجبه، الذي يمتنع أن ينفك عنه، كما يقتضيه المقتضي، وإنما إطلاق المقتضى للتنبيه على أن المناسب للمقام في نظر البليغ كالمقتضى الذي يمتنع انفكاكه، فلا يجد بدّا منه؛ لكن التفرع خفى فبينه بأن ارتفاع شأن الكلام في الحسن الذاتي الداخل في البلاغة إنما يكون بالاعتبار المناسب دون غيره، لو كان الاعتبار المناسب مقتضى الحال، إذ لو وجد اعتبار مناسب غير مقتضى الحال لكان ارتفاع شأن الكلام به في الحسن الخارج عن حد البلاغة، ولو وجد مقتضى حال غير الاعتبار المناسب لوجد ارتفاع لغير الارتفاع المناسب، وبينه الشارح المحقق بأنه بملاحظة مقدمة معلومة وهو أنه لا ارتفاع إلا بالمطابقة لمقتضى الحال، فإن هذه المقدمة المعلومة مع هذه المقدمة المذكورة التي هي في قوة لا ارتفاع إلا بالمطابقة للاعتبار المناسب، لأن المصدر المضاف إلى المعرفة للاستغراق، فيستفاد الحصر منه يقتضي اتحاد إفرادهما، إذ لولا اتحاد إفراد مقتضى الحال والاعتبار المناسب لبطل أحد الحصرين، أو كلاهما، هذا كلامه، ولا يخفى أنه منقوض بصحة الحصرين في قولنا «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (١) وقولنا «لا صلاة إلا بالنية» والشارح نفسه أوضح فيما كتب في حاشية هذا المقام مراده، ووافقه السيد السند فقال: أما بطلان أحد الحصرين ففيما إذا كان بين مقتضى الحال والاعتبار المناسب عموم وخصوص مطلقا فإنه يبطل الحصر في الأخص ضرورة تحقق الارتفاع بالإفراد الآخر للأعم، وأما بطلان كلا الحصرين ففيما إذا كان بينهما مباينة أو عموم من وجه، فإنه يصدق كل منهما بدون الآخر فلا يصح الحصر في أحدهما، هذا وفيه أن اللازم ليس إلا بطلان أحد الحصرين كما لا يخفى، ولا


(١) أصله في الصحيحين، بلفظ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وبلفظه في الحلية (٧/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>