والشارح المحقق ظن أن ما ذكره المصنف بيان نكتة النقض، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
[التورية]
(ومنه التورية) وهو في اللغة الإخفاء (الإيهام) مصدر أوهم أي إدخال شيء في الوهم (وهو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد، ويراد به البعيد) لقرينة خفية، وإنما ترك المصنف ذكر القرينة لوضوح أن الكلام البليغ لا يستعمل في المعنى البعيد إلا لقرينة، وأنه لا يتحقق بعد المعنى المراد مع وضوح القرينة ولا خفاء أيضا في أنه لا يلزم أن يكون للفظ معنيان، بل يجب أن يكون له معان متعددة، وكلما يكون الظاهر أكثر تكون التورية أوفر، والكلام أبدع، فالمختصر الواضح أن يقال: هو أن يطلق اللفظ على غير ما وضع له لقرينة خفية، مما يتعلق بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة، فهو داخل في أصل البلاغة، فكيف عد من البديع؟ ! ويمكن أن يقال رعاية ما ينبغي من وضوح الدلالة من البيان، حتى لو بلغ في الخفاء بحيث لا يفهمه المخاطب لم يكن بليغا، ولا يفيد توريته حسنا لفوات أصل البلاغة، وكون رعاية الوضوح على وجه يكون ظهور المعنى المراد محتاجا إلى تأمل، وتجاوز عن بادي الرأي من المحسنات البديعية.
واعلم أن التورية لا يجب أن يكون بالنسبة إلى المخاطب حتى لو نصب قرينة واضحة عند المخاطب خفية على السامعين، حتى لا يتنبهوا له إلا بعد مزيد تأمل، كان في الكلام تورية.
(وهي ضربان: مجردة، وهي التي لا تجامع شيئا مما يلائم المعنى القريب) القسمة العقلية تقتضي ضروبا ثلاثة، ثالثها ما يجامع سببا مما يلائم المعنى البعيد، لكنه لم يلتفت إليه؛ لأنه لا ينافي التورية بل لا تورية إلا فيها شيء مما يلائم المعنى البعيد أو أقله القريبة.
(نحو) قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (١) فإن معناه الظاهر الاستقرار، وليس هناك ما يلائمه.
وفيه بحث؛ لأن العرش يلائم الاستقرار، ومعد للاستقرار لا للاستيلاء،