للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يلائم الاستيلاء الملك، والمراد البعيد أو هو الاستيلاء على العرش، بإجراء الأحكام وإنزال الأسباب منه، حسبما تقتضيه الحكمة.

(ومرشحة) ترك تعريفها لإمكان معرفتها ببيان مقابلها، والمرشحة قد سبق بمعنى آخر في علم البيان، وقد اجتمعتا في قولنا: رأيت أسدا له لبد أظفاره لم تقلم.

(نحو) قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ (١) فإن المراد بأيد معناها البعيد أي كمال القدرة، ولإفادة الكمال جمعت اليد، وقد قرن به ما يلائم المعنى القريب، وهو البناء؛ لأن البناء وإن تطلب القدرة، لكن طلبه لليد أكثر، فلا يرد أن ذكر البناء لا يرشح التورية في أيد؛ لأنه كما يلائم المعنى القريب منها يلائم المعنى البعيد منها.

وقد يجتمع في الكلام توريتان، كل منهما مرشحة للأخرى، كقول القاضي أبي الفضل عياض على ما في الإيضاح وابن عياض على ما في الشرح يصف ربيعا باردا:

كأنّ كانون أهدى من ملابسه ... لشهر تمّوز أنواعا من الحلل (٢)

[والغزالة من طول المدى خرفت] أي: فسد علقها من باب نصر وفرح وكرم [فما تفرّق بين الجدي والحمل] فإن في الغزالة تورية حيث أريد بها الشمس لا الرشاد.

وقد رشح بذكر الجدي والحمل، فإنه يلائم المعنى الحقيقي اللغوي، وفي الجدي والحمل تورية؛ حيث أريد بهما المعنى البعيد، وهو البرجان دون ما هو حقيقة اللغة، وذكر الغزالة ترشيح لها، ومثله بيت السقط إذا صدق الجد، أي:

البخت افترى العم، أي: الجماعة من الناس للفتى مكارم لا يخفى، وإن كذب الخال أي: المخيلة والمظنة، فما يلقيه إيهام بيان الشارح أن ترشيح تورية بتورية في


(١) الذاريات: ٤٧.
(٢) البيتان للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى السّبتي. وكانون من أشهر السنة الشمسية يقع في زمن البرد، وتموز: شهر منها يقع في زمن الدفء، والحلل: جمع حلة وهي كل ثوب جديد أو الثوب عموما، والغزالة الشمس معطوف على كانون.

<<  <  ج: ص:  >  >>