للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقه قالت «خلقه القرآن» (١) ومن أمثلة ذكرها المصنف، وفيه أكثر من أربعة قول ابن رشيق أصح وأقوى ما سمعناه في الندى من الخبر المأثور، منذ قديم أحاديث يرويها السيول عن الحياء، يعني المطلوب (٢) عن البحر عن كف الأمير تميم، قال: فإنه ناسب فيه بين الصحة والقوة، والسماع والخبر المأثور، والأحاديث والرواية، ثم بين السيل والحياء والبحر وكف تميم مع ما في البيت الثاني من صحة الترتيب في العنعنة؛ إذ جعل الرواية لصاغر عن كابر، كما يقع في سند الأحاديث؛ فإن السيول أصلها المطر، والمطر أصلها البحر، على ما يقال؛ ولهذا جعل كف الممدح أصلا للبحر مبالغة.

هذا كلامه، ومما في البيت الثاني وغفل عنه، ومن تبعه أنه جمع السيول جمع كثرة لتصير الرواية في كمال القوة بكثرة الرواة، ويبلغ حد الشهرة، بل التواتر فيفيد اليقين، وفي هذا والعنعنة إثبات ما ادعاه من كون تلك الأحاديث أصح.

ولا يخفى أن صحة العنعنة، وتكثير الراوي ودعوى الأصحية من الأمور المتناسبة فليستا لطيفتين خارجتين عن التناسب، ذكرنا لبيان لطائف البيت كما يتوهم.

[من المحسنات المعنوية]

[ومنه مراعاة النظير]

(ومنها) أي: من مراعاة النظير (ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف وهو أن يختم الكلام بما يناسب ابتداءه في المعنى) والتناسب قد يكون ظاهرا (نحو لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣) أي:

العالم، فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر (٤)، والخبرة تناسب ما يدرك شيئا؛ لأن المدرك للشيء يكون خبيرا به.

كذا ذكره الشارح، وفيه نظر؛ لأن الخبير هو المدرك للشيء لا ما يناسبه، فالأولى يقال: الخبير يناسب كونه مدركا للأبصار؛ لأن الخبير هو المدرك، فيتحقق المناسبة باعتبار العموم والخصوص، وقد يكون خفيا.


(١) صحيح: أخرجه مسلم وأحمد عن عائشة.
(٢) كذا في الأصل ولعلها تحريف عن (المطر).
(٣) الأنعام: ١٠٣.
(٤) لأن اللطف في الأصل دقة الشيء، ولكن المراد باللطف هنا ما لا تدركه الأبصار مطلقا لاستحالة الأول على الله تعالى، ويجوز أن يكون من اللطف بمعنى الرأفة فيكون من إيهام التناسب الآتي لا من التناسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>