للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المصنف: ومن خفي هذا الضرب قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) فإن قوله: إن تغفر لهم، يوهم أن الفاصلة الغفور الرحيم، لكن إذا أمعن النظر علم أن الواجب هو العزيز الحكيم؛ لأنه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، وهو العزيز أي: الغالب، من قولهم: عزه يعزه، كغر يغر عليه، ومنه المثل من عزيز، أي: من غلب سلب، ثم يجب أن يوصف بالحكيم؛ لئلا يتوهم أن الغفران خارج عن الحكمة؛ لأن الحكيم من يضع الشيء في محله فهو احتراس حسن، أي: إن يغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا اعتراض عليك لأحد في ذلك، والحكمة فيما فعلته.

هذا كلامه، وتبعه الشارح، ونحن نقول والله تعالى أعلم: الأظهر أن الحكيم ليس من الإطناب، بل كما لا بد من الوصف بالعزة لتحقق تمكنه من المغفرة لمستحق العذاب، لا بد من الوصف بالحكمة؛ لأنه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد حكمه عليه، والمتفوق على الفاعل قد يكون متفوقا بالقدرة، فيمنعه بالغلبة، وقد يكون متفوقا بالعلم فيمنعه بالحكمة والعلم، فلا يستفاد نفي المتفوق عليه مطلقا بمجرد حصر الغرة فيه، لا بد في الاستفادة من حصر الحكمة أيضا.

(ويلحق بها) أي: بمراعاة النظير، وليس منها كما يوهمه تمثيل المفتاح لها ببيت السقط، وحرف كنون تحت راء أو لم يكن بذال يؤم الرسم غيره النقط، مع أنه لا تناسب بين المعاني المرادة بهذه الألفاظ؛ لأن المراد بالحرف الناقة المهزولة، وبالنون الحرف أو معناه الحقيقي فإن كليهما يصح أن يشبه بهما في الهزال، فما قال الشارح: وليس المراد بها الحوت على ما وهم وهم؛ ولذا فسره في شرح المفتاح بالحرف مع تأخره عن هذا الشرح، وبراء الرأي من رأيته ضربت ريته، وبدا لي الذالي أي: السائق برفق وبالرسم رسم الديار، وبالنقط تقاطر بالمطر على الرسوم لا إعراب الحروف، وتلك المعاني المرادة غير متناسبة، والتناسب مما يتوهم من تعبيرها بألفاظ تتناسب معانيها. الآخر أما التناسب فيما سوى الرسم فظاهر،


(١) المائدة: ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>