ذكور، أو كلاهما، وإما أن يكون عقيما، يبقى ما يكون له أنثى واحدة وذكر واحد ويكون له كلاهما، وإرادة الجنس بالجمع المنكر بعيد، وأيضا إذا جعل ضمير (يزوجهم) للفرقتين السابقتين بقي قسم آخر وهو تزويج الذكور والإناث لغيرهما، ويمكن دفعه بأن من يشاء سابقا مأخوذا على وجه لا يخرج عنه شيء.
هذا ثم في الآية تقسيمان: أحدهما استيفاء أقسام الإنسان وثانيهما استيفاء أقسام الولود. قال صاحب الكشاف: إنما قدم ذكر الإناث لأن سياق الآية يدل على أنه تعالى يفعل ما يشاء لا ما يشاءه الإنسان، فكان ذكر الإناث الآتي من جملة ما لا يشاءه الإنسان أهم، لكنه يجبر تأخير الذكور، عرفهم لأن في التعريف تنويها بالذكر، وكأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الذين لا يخفى عليكم، ثم أعطى كلا الجنسين حقهما من التقديم والتأخير تنبيها على أن تقديم الإناث لم يكن لتقدمهن؛ بل لمقتضى آخر.
هذا ويمكن أن يقال: سوق الآية يدل على أن الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا، مواهبه تعالى، يجب الشكر عليها، ولما كانوا يبغضون الإناث قدمهن في جعلها موهبة، لأنها أهم في المقام وأحرى بالاهتمام، ونكرها لأن اللائق بشأنهن الستر والمجهولية، بخلاف الذكور؛ فإن اللائق بهم التعين والظهور، ثم ذكرهما على ما يقتضيه أنفسهما من التنكير والتقديم والتأخير.
[ومنه التجريد]
(ومنه: التجريد، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله فيها): لا يشمل بظاهره نحو: لقيت من زيد وعمرو أسدين، ولا نحو: لقيت من زيد أسدين أو أسودا، فالأولى أن يقال: من أمر ذي صفة، أو أكثر أمر آخر، أو أكثر مثله.
[ومنه المبالغة المقبولة]
(مبالغة لكمالها فيه)(١) أي لأجل المبالغة بكمال تلك الصفة، ولو قلت:
لقيت من فلان في ذلك الأمر حتى كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة، إلى
(١) اعترض على هذا التعريف بأنه لا يشمل ما كان من التجريد نحو: «لا خيل عندك تهديها ولا مال»؛ لأنه لم يجرد شيئا مثل نفسه في صفة من الصفات، وإنما جرد من ذاته ذاتا أخرى من غير اعتبار صفة، فالأحسن تعريف التجريد بأنه انتزاع أمر من آخر مطلقا، والأحسن أيضا أن تجعل نكتتة العامة التفنن في الأسلوب كالالتفات لتقاربهما، وإن كان مبنى الالتفات على اتحاد المعنى، ومبنى التجريد على التغاير بينهما بحسب الاعتبار. [بغية الإيضاح ٤/ ٣٩].