للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه: الاطراد المذكور في علم البديع، كقوله: [بعتيبة بن الحارث بن شهاب] هذا فعلم منه أن تتابع الإضافات إنما تنافي الفصاحة، حيث أوجب الثقل والتنافر، وكذا الحال كثرة التكرار؛ لأنه لا وجه لمنافاته للفصاحة سوى إيجاب التنافر كيف وقد وقع في النظم مثل دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ (١) وذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) ووَ نَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٣).

[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

(و) الفصاحة (في المتكلم ملكة) أي كيفية ترسخت في ذات النفس، وأحسن ما رسم به الكيف عرض لا يتوقف تصوره على تصور غيره، ولا يقتضي القسمة، واللاقسمة في محله اقتضاء أوليّا، والمراد عدم توقف تصور العرض الجزئي بخصوصه، واحترز به عن تصور ما يتوقف عليه النسبة، ولا يرد الكيفيات المركبة لأن تصوراتها بخصوصها لا يتوقف على تصورات أجزائها، ولا الكيفيات النظرية، كما توهم، لأن إشخاص الكيف لا يكون نظرية.

وقولهم: اقتضاء أوليّا على ما صرحوا به لئلا يخرج العلم بمعلوم واحد، فإنه لعروض الوحدة له يقتضي اللاقسمة والعلم المعلومين، فإنه لتعلقه بالمتعدد يقتضي القسمة، ولا يخفى أنهما لا يقتضيان القسمة واللاقسمة في محلهما، بل في انقسامها، فمع قوله في محله لا حاجة إلى قوله قولا أوليا لذلك، وكما أنه يحتاج اقتضاء القسمة واللاقسمة إلى التقييد بالأولى يحتاج عدم توقف التصور على التصور الغير بالتقييد بالقيد الأولى، لأنه قد يعرض الكيف لنسبة فيتوقف باعتبارها على الغير، هذا قال المصنف: آثر ملكة على صفة إشعارا بأن الفصاحة من الهيئات الراسخة، حتى لا يكون المعبر عن مقصوده بلفظ فصيح فصيحا بحسب الاصطلاح من غير رسوخ ما يقتدر به عليه فيه، وفيه بحث؛ لأن المعبر عن كل مقصود بلفظ فصيح فصيح، لأنه لا يكون بدون ملكة يقتدر بها عليه، نعم لو قيل أشعر بذكر الملكة إلى أن صفة غير راسخة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح غير داخل في الفصاحة؛ بل ملكة التعبير عن المقصود


- وإضافة دنانير إلى الوجوه من إضافة المشبه به إلى المشبه. انظر البيت في دلائل الإعجاز (١٠٤).
(١) غافر: ٣١.
(٢) مريم: ٢.
(٣) الشمس: ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>