للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقوي، فلم يفت المصنف تمثيل التخصيص في النفي كما ظنه الشارح، ولما كان إفادة التقديم التقوي محتاجا إلى توضيح قال: (فإنه أشد لنفي الكذب من لا تكذب) ولا خفاء أن صيغة التفضيل ليس على حقيقته؛ إذ لا يريد المثالان على نفي الكذب، وتوجيهه لا يخفى على الأفقه من الحمار، وللنظر الدقيق أن يقول:

نفي الكذب في الاستقبال، مع أنه مبطن الحال يفيد مبالغة فيه، ولما كان نفي الأشد به من لا تكذب أتم في الوهم من لا تكذب أنت، جعله مشبها به تنبيها على هذا التفاوت.

وقال (وكذا من لا تكذب أنت)، ولم يشتغل بهذا التوضيح في قسم الإثبات، مع أنهما سيان فيه لئلا يتباعد النفي عن الإثبات، إلا أنه يتجه أن كون التقديم للتقوية ليس أخفى من كون أنت لا تكذب أشد لنفي الكذب من التركيبين الآخرين حتى يتم توضيحه به، بل قد بين كونه أشد لنفي الكذب بكونه لتأكيد المحكم حيث قال: (لأن تأكيد المحكوم عليه) لا الحكم، وقولنا: أنت لا تكذب على الاحتمال لاحتمال أن يكون أنت الثاني مبتدأ، لا تأكيدا للمحكوم عليه، بل لحكم في الخبر، وفيه مخالفة لما ذكره الكشاف في تفسير قوله تعالى حكاية عن يوسف- عليه السّلام-: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١) من أن تكريرهم للدلالة على أنهم خصوصا كافرون بالآخرة وأن غيرهم قوم مؤمنون بها، وهم الذين على ملة إبراهيم- عليه السّلام- ولتوكيد كفرهم بالجزاء هذا، وفي تخصيص بيان الفرق بأنت لا تكذب للتقوي تعريض للمفتاح، بأنه لا اشتباه بين لا تكذب أنت، وبين أنت تكذب للتخصيص، فبيانه الفرق بينهما لغو ينبغي أن يفرق بين لا تكذب أنت وأنت لا تكذب للتقوي؛ لأنه محل الاشتباه، ولا يدفعه ما ذكره الشارح المحقق أنه خص بيان الفرق بالتخصيص؛ لأنه أورده في بحث التخصيص.

[وإن بنى الفعل على منكر]

(وإن بني الفعل على منكر) أو ما في حكمه من الضمير الراجع إلى النكرة، فإذا قلت: ضربت رجلا وهو جاءني، كان قولك: وهو جاءني التخصيص جنس الرجل أو الرجل الواحد لا يقال: الأولى (أفاد) التقديم (تخصيص الجنس)،


(١) يوسف: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>