على ما وقع، حتى قال: إعجاز السورة من القرآن لا يتوقف إلا على بلاغتها المتوقفة على فصاحتها، وفصاحتها لا يتوقف على جميع كلماته، بل على فصاحة الأكثر، بحيث يكون غير الفصيح مغمورا فيه مستورا على الذائقة بفصاحة الكلمات الكثيرة، كما يستر الحلاوة الشديدة المرارة القليلة، وبعدم فصاحة كلمة من ذلك الكلام لا يخرج عن الفصاحة، كما أن الكلام العربي لا يخرج عن كونه عربيّا، بوقوع كلمة غير عربية، ألا ترى أن القرآن عربي بحكم الشارع، وفيه ألفاظ غير عربية؟ بالرواية عن ابن عباس وعكرمة وإجماع النحاة، على أن نوحا وإبراهيم وغيرهما أعجميات، وذلك لأنه تكلف جدّا من غير داع.
وأما ما قال الشارح المحقق من أن فصاحة الكلمات شرط فصاحة الكلام فلا يجوز أن يكون جزء منه غير فصيح، فلا يضره لو تم داعيه إلى جعل أَلَمْ أَعْهَدْ غير فصيح لأنه يخالف في اشتراط فصاحة الكلمات تأوله بأن المراد فصاحتها حكما بأن يكون بحيث لا يحسن بغير الفصيح فيها. وكذا ما قاله من أنه لو كان أَلَمْ أَعْهَدْ غير فصيح فلا أقل من أنه يلزم العجز، أو الجهل على الله، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، لا يتم لأنه لا يجوز أن يكون إيراده لعجز المخاطب عن فهم معنى لفظ آخر بمعناه، أو لبيان أن غير فصيح في كلام طويل لا يضر بالفصاحة.
قال الشارح: لتعذر ضبط التنافر لم يتعرض لتحقيقه واكتفى فيه بالتمثيل، قلت: لو كان كذلك لم يكتف بقوله:
[والغرابة]
(والغرابة) نحو ... إلخ، بل كان يعرف الغرابة ومخالفة القياس. والغرابة كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال كذا في الشرح. فإن قلت لم لم يكتف بقوله غير ظاهرة المعنى كما في الإيضاح؟ قلت: أراد نصب علامتين للغرابة: عدم ظهور المعنى، وعدم أنس السمع به، ونبه على أن كون الغريب مهجور الأمرين انقباض العقل عنه، لعدم وصوله إلى المقصود منه، ونفور السمع عنه لعدم الشبه به، ولا يخفى أن تعريف الغرابة بهذا لا ينفع غير المتتبع، فلهذا فسر بأن يكون مما يحتاج في معرفته إلى أن يرجع إلى كتب اللغة المبسوطة كتكأكأتم، وافرنقعوا، في قول عيسى بن عمر النحوي حين سقط من الحمار واجتمع الناس عليه: ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا عني، أي اجتمعتم، تنحوا عني، أو يكون مما