للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفترس من الحيوان، وعلى الثاني بقوله: (والعطر وخلق كريم) إما بإضافة الخلق إلى الكريم، كما في الشرح، لكن لا بتقدير رجل كريم كما فيه، إذ لا وجه للتخصيص، بل بتقدير شخص كريم، وإما بالوصف فيكون من قبيل عيشة راضية، فالعطر وهو الطيب مشموم، والخلق وهو كيفية نفسانية تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير سبق رؤية عقلي، ونبه بتقديم الأول على كثرته، كما نبه عليها المفتاح بتمثيل الأول بثلاثة أمثلة، وتمثيل الثاني بواحد، وكأن وجه قلته أن المحسوس أصل للمعقول ينتزعه منه العقول؛ ولذلك قيل: من فقد حسا فقد فقد علما، يعني المستفاد من ذلك الحس، فتشبيه المحسوس بالمعقول جعل الفرع أصلا، والأصل فرعا، وهو مستهجن (١)؛ ولذلك لو حاول محاول المبالغة في وصف الشمس بالظهور، والمسك بالطيب فقال: الشمس كالحجة في الظهور، والمسك كخلق فلان في الطيب، كان سخيفا من القول، وهذا سر نحوي يعلل به الواقع ويزين به اللغة، فلا يسمع فيه ما يناقش به من أنّ الأهم عدم جواز جعل الفرع أصلا لجواز كون الفرع من وجه أصلا، ولو سلم فليس كل محسوس أصلا لكل معقول فليشبه محسوس بفرع محسوس آخر، وما يمكن أن يناقش به من أن المحسوس ما هو الخيالي، وليس أصلا للمعقولات وأن سخافة المثالين المذكورين؛ لأن المشبه أظهر وأعرف.

نعم لا يتم التمسك به في عدم الجواز، كما فعله من ادعاه، ولا في عدم الجواز، إلا بعد جعل المعقول كالمحسوس كما فعله البعض غاية الأمر أن جعله كالمحسوس أبلغ.

[والمراد بالحسي]

ولما كان المشهور من الحسي ما أدرك بتعلق الإحساس بنفسه، وبالعقلي ما لا يكون للحس الباطن مدخل فيه والمتبادر إلى الوهم جعل المحسوس المخترع داخلا في المحسوس، احتاج إلى تفسير الحسي والعقلي، فقال: (والمراد بالحسي المدرك هو أو مادته بإحدى الحواس) جمع حاسية، وهي كالحساس مشتقة من الإحساس على خلاف القياس (الخمس الظاهرة) تقييد الحواس بالظاهرة يشعر بالقول بالحواس الباطنة، وجعل الوجدانيات داخلة في العقلي ناسب إنكارها


(١) قال الرازي: «إنه غير جائز؛ لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها».

<<  <  ج: ص:  >  >>