(كقوله) أي قول أبي الطيب: (نهبت من الأعمار ما لو حويته) أي جمعته (لهنّئت الدّنيا بأنّك خالد)(١).
(مدحه بالنهاية في الشجاعة) حيث غلب على ما لا نهاية لهم، ولو كان هذا في محاربة واحدة لكان غاية في الدلالة على النهاية في الشجاعة.
(على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها) قال الشارح:
حيث جعل الدنيا تتهنأ بخلوده، ولا معنى للتهنئة بشيء لا فائدة له فيه، وذلك الاستتباع يحصل من قوله:[نهبت من الأعمار ما لو حويته] أيضا فإن نهب الأعمار دون الأموال، وعدم جمعها يدلان على أنه لم يكن القتل لمصلحة تعود إليه، إذ لو كان لنفسه لم يترك أموالهم لورثتهم، ولجمع الأعمار، فإنه لا مصلحة للنفس فوق البقاء المخلد، فهو لمصلحة الدنيا.
قال في المفتاح: مدحه بالشجاعة على وجه يستتبع مدحه بكمال السخاء وجلال القدر من وجه آخر، والمصنف ترك كمال السخاء وجعل المستتبع كونه سببا لصلاح الدنيا لأن استتباع كمال السخاء غير ظاهر، ألا ترى أنه تكلف له الشارحان المحققان بأن التهنئة إنما تكون إذا كان للدنيا منه مال أو كمال، ويمكن أن يقال استتباع كمال السخاء في عدم نهب الأموال فإنه يدل على أنه لا قدر للمال عنده، وقوله وحلال القدر من وجه آخر إشارة إلى ما ذكره المصنف من كونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها، فإنه ليس جلال قدر سواه. ولا يخفى أن الاستتباع يزيد حسنا إذا كان الوصف المستتبع بحيث يدفع توهما مذموما نشأ من المدح بشيء كما في البيت، فإن وصفه بالشجاعة ببيان نهب الأعمار، يوهم إفساده في العالم، فكما أنه أفاد تهنئة الدنيا بخلوده، مدحه بإصلاح الدنيا نفي توهم إفساده للدنيا بنهب الأعمار.
(وفيه) أي في الاستتباع (وجهان آخران) وقال الشارح: وفي البيت وجهان آخران من المدح، وما ذكرنا أنسب. وإن قال المصنف في الإيضاح: قال على ابن عيسى الربعي: وفي البيت وجهان آخران من المدح فالمراد بشيء آخر الجنس واحدا كان أو أكثر، وقس عليه نظائره.
(١) البيت في ديوانه: ١/ ٢٧٧ من قصيدة في مدح سيف الدولة، والإشارات: ٢٨٤، والإيضاح: ٣٢٧.