للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والجامع الشكل) لا وجه لترك الخوار.

(والجميع حسي) يدرك بالبصر، والخوار يدرك بالسمع، وفي كون الآية استعارة بحيث إذ جسدا له خوار صريح في أنه لم يكن عجلا؛ إذ لا يقال للبقر:

إنه جسد له صوت البقرة، وقد أبدل من العجل بدل الكل، وظاهر أنه ليس عين العجل، فلا محالة المراد بالعجل مثل العجل، فهو نظير حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (١) فإن بيان الخيط بالفجر أخرجه من أن يكون استعارة إلى التشبيه، فكذا إبدال جسد له خوار من عجلا أخرجه من أن يكون استعارة، فهو تشبيه بليغ مجمل، ذكر فيه وصف المشبه وحده، وبه ظهر ضعف ترك المصنف من التشبيه المجمل ما ذكر فيه وصف المشبه وحده، بناء على عدم الظفر به في كلامهم، كما ذكره الشارح.

ومثّل السكاكي هذا القسم بقوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (٢) قائلا: فالمستعار منه هو النار، والمستعار له هو الشيب، والجامع بينهما هو:

الانبساط، ولكنه في النار أقوى، والطرفان حسيان، ووجه الشبه حسي.

هذا، واعتذر المصنف عن ترك التمثيل به بأن فيه تشبيهين:

الأول: تشبيه الشيب بشواظ النار في البياض والإنارة، وهذا استعارة بالكناية، وكلامنا في الاستعارة التحقيقية.

نعم، صح التمثيل من السكاكي؛ لأن كلامه في الاستعارة مطلقا.

والثاني: تشبيه انتشار الشيب في الشعر باشتعال النار في سرعة الانبساط، مع تعذر تلاقيه فهذه الاستعارة تصريحية، لكن الجامع فيها عقلي.

هذا، ويتجه عليه: أن السرعة كالانبساط حسية، وتعذر التلاقي عقلي، فالجامع مختلف، لكن المتجه لا يضره.

ويتجه أيضا: أنه لما كان الاشتعال الذي هو قرينة الاستعارة بالكناية مستعارا للانتشار المذكور، وهو أمر محقق، فقد وجد الاستعارة بالكناية بدون التخييلية، وسيصرح في فصل الاعتراضات على السكاكي أنه باطل بالاتفاق،


(١) البقرة: ١٨٧.
(٢) مريم: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>