للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهار من ظلمة الليل، لكن زيف ما ذكر إبان سلخ النهار من الليل يستتبع ظهور الليل من ضوء النهار.

وزيفه المصنف أيضا بأن المتفرع على ظهور النهار من ظلمة الليل الإبصار لا الإظلام، فيقتضي ذلك أن لا يعقب بقوله: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (١) بل بقولنا: فإذا هم مبصرون.

واستصعب الإشكال، حتى التجأ البعض إلى التعسف، فقال: عبارتهما محمولة على القلب، والمراد: أن المستعار له ظهور ظلمة الليل من النهار، والبعض إلى التكليف بجعل ظهور النهار من ظلمة الليل، يعني زوال النهار من ظلمة الليل، وتمسك في ورود الظهور بمعنى الزوال بقول الحماسي: [وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر] حيث فسره الإمام المرزوقي بزائل، وبقول أبي ذؤيب:

وعيّرها الواشون أنّي أحبّها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وجعل «من» في قولهما: ظهور ظلمة الليل من النهار، بمعنى: عن.

وذكر الشارح العلامة: أن السلخ قد يكون بمعنى النزع، نحو: سلخت الإهاب عن الشاة، وقد يكون بمعنى الإخراج، نحو: سلخت الشاة عن الإهاب، والشاة مسلوخة، فذهب عبد القاهر والسكاكي إلى الثاني، وغيرهما إلى الأول؛ فاستعمال الفاء التي للتعقيب بلا مهلة في قوله: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ظاهر على قول غيرهما، وأما على قولهما فإنما صح من جهة أنها موضوعة لما يعد في العادة مترتبا غير متراخ، وهذا يختلف باختلاف الأمور والعادات، وربما يطول الزمان بين أمرين، ولا يعد الثاني متراخيا؛ لأن العادة كانت تقتضي أطول من هذا، فيستقصره المتكلم، ويلحقه بالعدم فيجعل الثاني غير متراخ، ويستعمل الفاء كما في هذه الآية على قولهما، فإنهما حملا: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ على ظلمة بعد إخراج النهار من الليل، وزوال النهار وهو إن كان متراخيا عن الإخراج بساعات النهار، إلا أن العادة تقتضي أن لا تنقضي مثل هذه الإضاءة إلا في أضعاف هذه الساعات، ولا يأتي الظلام إلا بعد مهلة، فيجعل الليل لإتيانه على خلاف العادة كأنه فاجأ عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة.


(١) يس: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>