ثم لا يخفى أن «إذا» المفاجئة إنما تصح إذا جعل السلخ بمعنى الإخراج، كما يقال أخرج النهار من الليل، ففاجأه دخول الليل، فإنه يستقيم بخلاف ما إذا جعل بمعنى النزع، فإنه لا يستقيم أن يقال: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام، كما لا يستقيم أن يقال: كسرت الكوز ففاجأه الانكسار؛ لأن دخولهم في الظلام عين حصول الظلام، فتكون نسبة دخولهم في الظلام إلى نزع ضوءه، كنسبة الانكسار إلى الكسر؛ فلهذا جعلا السلخ بمعنى الإخراج دون النزع. انتهى كلامه.
وأيد كلامهما بعد هذا التوجيه بوجوه:
أحدها: أن الشيء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب واستعجاب، بحيث يفتقر لنوع اقتدار، وذلك إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار، لا عقيب زوال ضوء النهار لي.
وثانيها: أن ظهور النهار المضيء أنسب بظهور المسلوخ الأبيض من الجلد الساتر الذي ربما كان أسودا مظلما من ظهور الليل.
وثالثها: أن التحقيق وإن كان يقتضي طرئان الضوء على الظلام بمنزلة الساتر، لكن المتعارف المتبادر إلى فهم العامة عكس ذلك، حتى كأنهم يعتقدون ويعدون من جملة الضروريات أن الظلام هو الذي يطرأ على الضوء، فيستره بمنزلة لباس له، وينكشف عنه فيظهر وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١).
وأقول بعد ما سمعت الاستقصاء في ترجيح قولهما وتزييف قول غيرهما، حتى كاد ينقلب القول بالقلب: إن فهم الإظلام بعد انقضاء النهار من قوله: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ بعيد عن النظم، ويتبادر منه أنه ترتب على سلخ النهار من الليل، لا على زوال النهار على أنه لا يخفى التكلف فيما ذكره من تصحيح عدم التراخي، وما رد به قول الغير أنه حينئذ لا يحسن حديث مفاجئة الإظلام؛ لأنه إنما يستعمل فيما يتوقع فيه تراخ، ولا يتوقع حدوثه، وليس حدوث الإظلام بعد إزالة النهار خلاف المتوقع، حتى يصح ذكر المفاجئة، ويمكن دفعه بأن مفاجئة الإظلام إنما تترتب على سلخ النهار من الليل، وهم يعدونه مفاجئا لعدم علمهم