المشتمل على تلك الكلمة عدول عن المتبادر من غير قاسر؛ إذ المتبادر التخاطب بتلك الكلمة، بل عدول مع الزجر وهو أنه يلزم أن لا يدخل في الحقيقة الحقائق المعددة من غير تركيب وكلام. ولا يدخل مثل قولنا أريد توضيح الكلمة؛ فإن الكلمة فيه حقيقة، وليس باصطلاح به تخاطب هذا الكلام، بل تخاطب هذه الكلمة؛ ثم في تقديم الظرف إشارة لطيفة إلى أن التخاطب لا يكون باصطلاحين، ثم استعمال الاصطلاح يوجب إخلال التعريف؛ إذ لا يطلق في الاصطلاح على الشرع والعرف واللغة، بل هو العرف الخاص، فالأولى في وضع به التخاطب.
وأما ما يقال: إن هذا التعريف لا يصح على مذهب القائل بأن الواضع هو الله تعالى، وكذا عند من توقف فليس بشيء؛ لأن وحدة الواضع في جميع اللغات لا تستلزم وحدة الاصطلاح، بل يتفاوت مع ذلك اصطلاح التخاطب، وبعد ما أضفناك بما نظنك شبعان، بل ملآن لو لم نعرض عليك لذائذ أنعمنا بها لنا في الإحسان، فلا تعرض عنا فإنه، وإن لم يبق لك طاقة الاستفادة، فنقنع منك بالمشاهدة، فنقول كما لا بد للنحوي من ضبط ما يجري في الأصوات المشاركة للكلمات في كثرة الدوران على الألسنة في المحاورات، حتى نزّلوها منزلة الأسماء المبنية، وضبطوها فيما بينها، كذلك لا بد لصاحب البيان من الالتفات إلى دقائق وسرائر يتعلق بها فإن البلغاء أيضا يتداولونها تداول المجازات الدقيقة، فيقول للمرائي لفعله المعجب به، وهو في غاية الدناءة: وي؛ تعجبا تهكما، ويخاطبون بالنازل عن درجة العقلاء الملحق بالحيوانات بأصوات يخاطب بها الحيوان تنزيلا له منزلة الحيوان، فيجب أن يجعل تعريف الحقيقة والمجاز شاملا لها حتى أكاد أجترئ على أن أقول: المراد بالكلمة أعم من الكلمة حقيقة أو حكما، وكذا المراد بما وضعت له، وغير ما وضعت له، ثم نقول: لا يخفى أن كثيرا ما تستعمل الهيئة في غير ما وضعت له، فتخصيص الحقيقة والمجاز بالكلمة يفوت البحث عن سرائر تتعلق بالهيئات، ولولا مخافة الإسهاب للزمني الإطناب في كل مقام، لكثرة ما يفيضه الوهاب، لكن توهم ضيق حوصلة السامعين يمنعني عن أن أبوح بكثير ما خفي على ذوي الألباب، ولولا ذلك لكان مطاعمة قلبي للقلوب بما تلذ به طيور المعاني أكثر مما يسعه هواء، ويطبقه سماء، ثم عدم شمول تعريف