للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(من الحقيقة) (١) أي: الحقيقة المفردة، وأما الحقيقة المركبة التي هي الكناية فالمجاز ليس أبلغ منها؛ لاشتراكهما في وجه المبالغة، فقوله (والتصريح) تطويل إلا أن تجعله عطفا تفسيريا للحقيقة (لأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم) هذا متفق عليه بين المصنف والسكاكي؛ لأنه وإن جعل الكناية ذكر اللازم أي:

التابع وإرادة الملزوم أي: المتبوع، لكنه جعلها مشاركة للمجاز في الانتقال من الملزوم إلى اللازم؛ لأن اللازم ما لم يصر ملزوما لا ينتقل منه.

ويرد على كون المجاز أبلغ من الحقيقة أن منه المجاز غير المقيد، وهو لفظ المقيد المراد به المطلق، فإنه إذا نظر إلى ما أريد بهذا القبيل من المجاز كان قائما مقام أحد المترادفين، فكما أن أحد المترادفين إذا أقيم مقام الآخر لم يقصد به معنى آخر، بل ذلك المعنى بعينه، فلا يعد مقيدا، كذلك المشفر إذا أقيم مقام الشفة لم يقصد به إلا تلك الحقيقة، أعني: العضو المخصوص.

وذلك القيد الذي جردت الحقيقة عنه تابع عارض لها، كأنه بمنزلة أمر خارج عن مفهوم المشفر، فلا يترتب على قيامه مقام الشفة فائدة، بخلاف إطلاق الأصابع على الأنامل في يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ (٢) فإنه يفيد مبالغة، وكذا إطلاق اليد على القدرة يفيد تصويرها بصورة ما هو مظهر لها.

وهذا كلام وقع في البين فلنرجع إلى ما كنا فيه، والمجاز الغير المقيد لا يكون أبلغ من الحقيقة، كيف ولا يصدق في حقه (فهو) الظاهر فهما (كدعوى الشيء ببينة) قال السيد السند في شرح المفتاح في بحث المجاز الغير المقيد:

وأيضا في كل من هذين الإطلاقين يعني إطلاق الأصابع واليد دعوى الشيء ببينة كما سيأتي، وليس ذلك في المشفر الاتحاد المعنى حقيقة، فيجب أن يحمل المجاز على المجاز المقيد، وبين كونهما كدعوى الشيء ببينة بأن وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم.


(١) أبلغ: أفعل تفضيل يجوز أن يكون مأخوذا من البلاغة بمعناها اللغوي أي أفضل وأحسن، ويجوز أن يكون مأخوذا من البلاغة على مذهب الأخفش في جواز بناء أفعل التفضيل من الرباعي، وهو الظاهر من كلام عبد القاهر، وقد قيل: إن المجاز المرسل لا مبالغة فيه فلا يكون أبلغ من الحقيقة، والحق أن المجاز المرسل فيه مبالغة أيضا إلا ما كان منه خاليا عن الفائدة.
(٢) البقرة: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>